الظروف المناخية الصعبة التي نعيشها على مدار العام بسبب الجفاف والغبار والرياح المحملة بالأتربة، يزيد من قساوتها أسلوب تخطيط مدننا وطبيعة مبانينا وطرق تصميمها، والسؤال هو ما الخطط التي وضعت لمواجهة وتخفيف هذه الظروف في طرق البناء، وهل هناك توجه لتقدير أثر التغير المناخي على الصناعة العمرانية؟ خلق سبحانه وتعالى الأحياء بحيث تتلاءم وتتكيف مع التأثيرات البيئية، فما ينبت في الشتاء لا ينبت في الصيف، وما ينبت في المناطق الصحراوية لا ينبت في المناطق الباردة.. وما يعيش في الماء لا يعيش في اليابسة... وهكذا، فلماذا لا نراعي مناخنا في أساليب ومواد بناء مساكننا ومرافقنا؟ ما فائدة التصاميم الحديثة المبهرة إذا كانت لا تؤمن لنا الراحة والحماية من قسوة الجو؟ من يقرأ عن النظام البنائي الذي اعتمده المسلمون في بناء مدنهم وبلدانهم الصحراوية الحارة يعجب من قدرتهم على التعامل مع المشكلات المناخية التي واجهتهم، لقد استطاعوا بأساليب تخطيطية وعن طريق استخدام مواد من البيئة وعناصر معمارية، تنظيم الحرارة في المساكن وتحقيق التهوية الطبيعية وتفادي أشعة الشمس والبعد عن الضوضاء ما أمكن، وقد اهتموا كثيرا بتوفير البرودة والظلال متبعين طرقا كثيرة منها: اختيار مواد البناء الطبيعية التي توفر عزلا حراريا جيدا. تقارب مباني المدينة بعضها من بعض لمنع تعرض واجهاتها للشمس والرياح. اختلاف ارتفاع المباني بحيث تتظلل أجزاء من أسقفها فلا تصل الحرارة الشديدة إليها. تفريغ المباني من الداخل ببناء الأفنية وزراعة الأشجار ووضع النوافير لترطيب الهواء. بناء "ملقفات الهواء" وهي تصاميم معمارية تبرز من أسطح المنازل، بهدف جذب الهواء الخارجي النظيف وتوزيعه على غرف المبنى. بناء الأجنحة والرواشن والمشربيات وواجهات الطوابق المتراكبة التي تبرز وتلقي الظل على المبنى والشارع. تضييق الشوارع وجعلها متعرجة وتوجيهيها من الشمال إلى الجنوب حتى لا تتعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة ولتكون عرضة أكثر للرياح الشمالية فتستمر برودتها. تسقيف الشوارع التجارية وبناء الأقبية لتخفيض الحرارة وحماية البضائع... وغير ذلك. لقد هيأ أجدادنا مدنهم ومبانيهم لتكون بيئة صحية مناسبة للحياة وظروف المناخ الصعبة، جامعين بين الجمال والفائدة، بينما انسقنا نحن وراء الموضة والتصاميم الحديثة التي لا تلائم مناخنا، وبنى الكثير منا البيوت الكبيرة المتباعدة وعلى مساحات واسعة من الأرض رغم ما يتطلبه ذلك من مياه وأجهزة تكييف وكهرباء وحاجة إلى الصيانة والتنظيف المستمر بسبب الجفاف والغبار، وسيطرت الطرز المعمارية الجافة المكلفة على مشاريعنا العمرانية من حيث مساحات الشبابيك الزجاجية، ومواد البناء الخارجية التي لا تتناسب مع الشمس والحرارة والغبار، ناهيك عن تنافر أشكال البناء مع بعضها البعض من حيث الشكل واللون الأمر الذي لا يعطي المدينة صفة الانسجام والتناغم والأصالة. في بريطانيا على - سبيل المثال - يجري العمل منذ سنوات ووفق برامج ضخمة وبفرق عمل متخصصة على مراجعة طرق التصميم والبناء لتتماشى مع التغيرات المناخية التي تحدث في الكرة الأرضية، والبحث عن حلول مبتكرة للتكيف مع الجو تشمل المباني القائمة والجديدة، ويتم ذلك بالشراكة مع وكالات وعلماء مناخ ومعماريين. تحديات المناخ ومشكلات البيئة من القضايا المهمه جدا التي تحتاج من الجهات المسؤولة إلى رؤية وتخطيط وتعاون وسن قوانين، مع ضرورة قيام الإعلام بدوره في توعية المجتمع وتثقيفه بيئيا، ونشر الأفكار والتقنيات الذكية التي يمكن تطبيقها واستغلالها للتخفيف من الهدر والتلوث وصعوبة المناخ.