صدر مؤخرا قرار معالي وزير التعليم العالي بتكليف الدكتورة اريج الغرير عميدة لكلية العلوم بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن (كلية التربية - الأقسام العلمية سابقا) خلفا لي، وبهذا القرار تكون الدكتورة أريج العميدة التاسعة لهذه الكلية العريقة وثاني عميدة لها بعد اعادة هيكلتها وتسميتها كلية العلوم. هذا القرار الصائب لمعاليه، أعاد لذاكرتي قراره قبل أربعة أعوام بتعييني عميدة لكلية العلوم وأعاد لمخيلتي الأفكار التي تناوشتني تلك اللحظة لعظم المسؤولية أمام الله عن هذا المكان بكل تفاصيله والتي تلزمني أن أظهر به بالصورة المشرفة أمام معالي مديرة الجامعة، حيث سأكون قائداً لهذا الصرح العلمي بجميع منسوباته من أعضاء الهيئة التعليمية والادارية والطالبات والعاملات والمستخدمات وحتى حارس الكلية العم (أبو محمد) الذي عاصر انضمامي للكلية كطالبة تحضر بمعية والدها (رحمه الله) وكموظفة في الكلية ومن ثم مسؤولة. حقا كان شعورا غريبا أن أكون عميدة لكلية دخلتها قبل ربع قرن كطالبة مسجلة تبحث عن مكتب شؤون الطالبات، طالبة تخشى المرور أمام مكتب العميدة مستشعرة مهابة هذا المكتب، ليصبح بعد حين مكتب العميدة هو مكاني اليومي وأصبح مسؤولة عن هذه الكلية ومسؤولة عن المحافظة عليها والرقي بها بتطبيق أنظمتها. ان العبء الاداري والمهام المنوطة بعميدة الكلية كثيرة ومتشعبة وترتبط بجميع ادارات الجامعة المختلفة بالإضافة إلى مهامها الداخلية المرتبطة بمنسوبات الكلية باختلافهم (أستاذ- ادارية – طالبة – عاملة – مستخدمة )وقد يمتد الأمر إلى التواصل مع أولياء أمور الطالبات لأن امورهن متشعبة وهمومهن كثيرة، وهناك من الأحداث التي تتعلق بالطالبات تكون مربكة ومحرجة وصعبة حيث يتعلق الموضوع أحيانا بأناس خارج نطاق عملنا في الكلية... ومن وجهة نظري أن تكوني عميدة لكلية يختلف عن أن تكوني عميدة لكلية العلوم ، فيعلم الجميع أن كلية العلوم تخدم جميع كليات الجامعة من خلال تدريس المقررات الأولية، وهي الاحصاء والرياضيات العامة ( للتخصصات الأدبية والعلمية ) وكذلك الفيزياء والكيمياء والأحياء العامة فضلا عن خصوصية هذه الكلية حيث تحوي المعامل وما يتطلبه الأمر من متابعة تجهيزات المعامل والمحافظة على وسائل الأمن والسلامة فيها.. أربعة أعوام مضت وأنا أجلس على كرسي العمادة جلوس السعيدة بإرهاقها وتعبها، وسعيدة اليوم باستعادة تلك الذكريات، فقد تنوع العمل ما بين متطلبات زميلاتي أعضاء هيئة التدريس والسعي لتطويرهن أكاديميا واداريا وبين متابعة الخطط الجديدة المطبقة بالجامعة والتي كنت ممن شارك في دراستها واعداداها، وبين تفعيل خطط الابتعاث والتدريب لبناتنا حديثات التعيين.. وبين سد احتياج الكلية بتعيين المواطنات وبين متابعة بناتي الطالبات ومشاكلهن الدراسية والاجتماعية والنفسية والسلوكية ومشاركتهن أنشطتهن واحتفالاتهن. أربعة أعوام مضت في عمل مستمر مع زميلاتي من منسوبات الكلية وتعب لذيذ وسط هذه الكوكبة المميزة التي جسدت معنى الانتماء للمكان وللكلية وللوطن...، تنقلنا في العمل بين المقر القديم (الملز) وما يحمله لنا من غبار الذكريات الجميلة فهي المباني ذاتها التي درسنا فيها، وبين المقر الجديد.. المعلم الحديث في المدينة الجامعية في حي النرجس، هذا البناء الضخم الذي يعتبر تحفة وطنية سخى بها والدنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، على بناته وخصنا بأكبر مدينة جامعية نسوية في العالم. استطيع أن أقول إني مازجت بين حضارتين وعالمين بعملي كعميدة لكلية العلوم في تلك الأربع سنوات فمن لوائح وأنظمة كليات البنات إلى لوائح التعليم العالي ومن الزام الدكتورة بتوقيع الحضور والانصراف إلى الاكتفاء بالالتزام بالقيام بالأعمال المنوطة بها، ومن تفرغ علمي داخل المملكة إلى تفرغ علمي خارجها، ومن دراسات عليا للمعيدات والمحاضرات داخل الكلية إلى الانطلاق ببرامج الابتعاث و تفعيلها في الجامعات العالمية، ومن التدريس بالشرح التفصيلي على السبورة إلى التدريس باستخدام التقنية الحديثة ومن شهادة بكالوريوس في العلوم والتربية إلى البكالوريوس في العلوم، ومن تسجيل الطالبات داخل اروقة الكلية إلى التسجيل الموحد الالكتروني ومن رائدة للفصل إلى المجالس الطلابية، من الخطة الدراسية القديمة التي تعتمد على السنوات الدراسية إلى خطة جديدة تعتمد على نظام الساعات.. من أبحاث الطالبات الخاصة بالمقررات إلى مشاركة طالباتنا في المؤتمرات.. من موظفات اداريات مسئولات عن أمن الكلية إلى شركات متخصصة في الحراسات الأمنية.. من مكيفات شباك نحرص على صيانتها دوريا إلى التكييف المركزي.. وغيرها وغيرها من التحولات والانجازات الباهرة.. عمر قصير وتحولات كبيرة وسريعة في عمر التعليم بالكلية في تلك الفترة.. لقد كانت سنوات جميلة عملت فيها، وزاد جمالها تلك الباقة الزاهية الألوان من وكيلات الكلية المتميزات اللاتي عملن بجانبي وحملن معي الهم ذاته و كان لجهودهن الأثر الكبير في دعمي ومساندتي في الأمور الهامة والمواقف المختلفة والطارئة ، فكثير من الأمور مازالت عالقة بالذاكرة، وهن د. سارة العديلي، د. نورة السديس، د. لطيفة الشبانة، د. منيرة العميل، د. فوزية العمرو، د. أروى الحقيل، د. نازك العيسى، د. أريج الغرير، د. سعاد باهمام و د. هدى الحميدان. ماذا أخذت منك العمادة.؟ سؤال يطرحه علي من حولي بين الحين والآخر، نعم أخذت مني ولكن ما أعطتني يفوق ما أخذته.. تعلمت منها وتعلمت مني.. تعلمت الكثير الكثير.. تعلمت ما لم أجده في كتب الادارة، حفظت العديد من الأنظمة واللوائح التي تحكم التعليم العالي سواء من خلال تطبيقها أو من خلال مشاركتي في لجان خارج الكلية.. سمح لي كرسي العمادة أن أنقل خبرات جديدة للكلية من خلال تمثيلي للكلية عدة سنوات في اجتماع عمداء كليات العلوم في اتحاد الجامعات العربية، علمتني العمادة مواجهة المواقف بصلابة أكثر وحكمة، ودربتني على التأني والصبر في اتخاذ القرار.. دربتني العمادة على النظر للأمور من زوايا كثيرة وكثيرة جدا،، علمتني التغاضي عن أخطاء الأخرين بسماحة القادر.. أهدتني العمادة أخوات لم تنجبهن أمي أعتز بهن وأهدتني بنات نجيبات وكثيرات أحبهن وأتواصل معهن بين الحين والآخر.. وأخيرا أعطتني العمادة فرصة أن يتعرف الآخرون على شخصي من زوايا كثيرة ومواقف متعددة، (وأحسب) أن العمادة أعطتني حب الآخرين. كلمة شكر.. أرفعها لمعالي وزير التعليم العالي أ. د. خالد العنقري الذي اختارني لهذا المنصب، كل الشكر لمعاليه بأن شرفني بخدمة بنات وطني في مجالات عدة.