تباينت ردود الأفعال السياسية حيال قرار الرئيس اليمني المفاجأة بشأن عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في سبتمبر من العام القادم 2006 بين مرحب بالقرار ومشكك فيه هذا في وقت احدث القرار ارباكا كبيرا في الاوساط السياسية في المؤتمر الشعبي العام الحاكم الذي يرأسه علي عبدالله صالح. وعلمت «الرياض» ان اجتماعا طارئا دعي اليه امس قيادات الحزب الحاكم لتدارس القرار وتداعياته السياسية وكان مصدر رفيع في المؤتمر الحاكم قال ل«الرياض» ان القرار فاجأ قيادات الحزب الذي قال انه يجب ان يكون له قرار بهذا الشأن كون صالح عضوا فيه ورفضت القيادات المؤتمرية القرار وقالت ان اليمن في امس الحاجة الى حنكة وحكمة الرئيس صالح اكثر من اي وقت مضى نظرا للظروف المحلية و الاقليمية والدولية بالغة التعقيد التي تجعل من الرجل -حسب وزير الخارجية الدكتور ابوبكر القربي -صمام الامان لمستقبل اليمن . هذا وقد اختلفت ردود الافعال في الوسط السياسي والحزبي المعارض في اليمن، حيث قال محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح (الاسلامي المعارض) ان إعلان صالح بعدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إجراؤها في سبتمبر 2006م كان قرارا مفاجئا حتى لقيادات المؤتمر الشعبي الحاكم الذي يرأسه الأخ الرئيس. ودعا قحطان الأحزاب السياسية إلى دراسة مبادرة الرئيس، والخروج برؤية وطنية للتعاطي مع هذا الشأن. من جانبه رحب حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) بما سماها «المبادرة الرئاسية التي أعلنها أمس فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وأفصح فيها عن نيته عدم الترشح لفترة رئاسية مقبلة ليصنع للناس نموذجاً ديمقراطياً يعلمهم التداول السلمي للسلطة». وقال الحزب في بيان له «والحزب إذ يرحب بهذه الخطوة الرائدة يعتبرها منطلقاً أساسياً لخلق مفصل تاريخي في حياة الشعب اليمني يؤسس لمستقبل راسخ الجذور في صرح العمل الديمقراطي المرتكز على التداول الحضاري والسلمي للسلطة، بما يترتب عليه من معطيات تنموية تطال مختلف جوانب حياة اليمن إنساناً وأرضاً». واعتبر أن الرئيس «بهذه المبادرة التاريخية يضع لبنة الأساس لأول تداول سلمي للسلطة بعد أن سحقت أمتنا تحت طواحين دورات الصراع السلطوي التي أهدرت عقوداً طويلة من حياتنا، كما أهدرت طاقات الأمة البشرية والمادية، وسممت ساحات العمل السياسي وأثقلت الكواهل برصيد ضخم من الثارات والآثار والتبعات، كما أن هذه الخطوة ستكون بإذن الله نقطة التحول المفصلية لخلق ثقافة سياسية مغايرة ليس في اليمن فحسب بل وفي المنطقة بأكملها». وقال بيان الحزب أنه «إذا كان الزعيم العربي عبدالرحمن سوار الذهب قد سطر بخطوته الريادية المتفردة تلك المكانة في القلوب وفي سفر التاريخ رغم أنه لم يمض في الحكم أكثر من عام، فإن خطوة رجل أمضى في الحكم ثمانية وعشرين عاماً تعد أعظم وأجدر بالإكبار باعتبار خطوة الأول أيسر بكثير من خطوة الآخر». وناشد «كل القوى الوطنية والفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المبادرة الفورية لإيجاد حالة من تضافر الجهود والقدرات والتعاون الخلاق في سبيل إيجاد انتقال سلس وسليم للسلطة وقراءة الدرس والعبرة من خطوة فخامة الأخ الرئيس وتجاوز كل الخلافات والأضغان والحسابات السياسية الضيقة والهشة، فالمرحلة أكبر من تلك الصغائر والفرصة سانحة لأن يتولى اليمنيون شرف الإدارة الذاتية لعملية التحول الديمقراطي الحتمية إدارة تحقق المصالح الوطنية العليا وترعى مصالح الآخرين في ظلها.» محمد الصبري رئيس الدائرة السياسية في التنظيم الوحدوي الناصري اعتبر قرار صالح قراءة مبكرة لحالة التردد لدى المعرضة بتقديم مرشحها في الانتخابات الرئاسية ورسالة للمستقبل ومايحمل من مخاوف، وقال :«هذا عمل سياسي ذكي والرسالة ليست للمعارضة بقدر ما هي موجهة للمؤتمر الشعبي العام الحاكم. هذا القرار نوع من براءة الذمة مما سيأتي لان القادم سيئ ومليء بالاختناقات السياسية والاقتصادية.» واضاف:«اراد الرئيس ان يرمي بالكرة امام الدولة والاحزاب ويقول لهم جميعا عليكم ان تجددوا». ويؤكد الصبري ان «اشاعة الحديث حول تداول المنصب الاول في الدولة ثقافة نحن بحاجة اليها. نحن مجتمع ابوي قبلي». ويستبعد الصبري ان يكون الضغط الخارجي سببا في قرار الرئيس صالح الذي مثل مفاجأة للداخل والخارج وقال ان للضغوط الداخلية لها معنى كون ارتفاع سقف الحرية وتحميل الرئيس مسؤولية ما يعتمل في البلاد اضافت اليه هما اخر. اما رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن فقد رحب بإعلان الرئيس عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة. وقال ل«الرياض» ان الرئيس بهذه الخطوة أراد أن ينهي عهده السياسي بصورة متميزة واستثنائية مثل ما بدأه وأضاف «وهذا تأصيل للحكمة اليمانية ودليل على أن فخامة الرئيس حريص على أن يبقى في سجلات التاريخ أطول من فترة بقائه في السلطة». واعتبر القيادي السابق في التنظيم الناصري المعارض إعلان الرئيس يضع أحزاب المعارضة في موقف حرج، وقال: «إذ أن هذا الموقف يترتب عليه التزامات واستحقاقات تبدأ من التخلي الطوعي عن مواقعهم في قيادة أحزابهم إلى التحدي الأكبر بتقديم مرشح أو مرشحين أكفاء ومؤهلين لديهم القدرة على منافسة المؤتمر الشعبي الحاكم في انتخابات تنافسية حرة ونزيهة». واكد حسن إلى أن أروع ما ورد في حديث الرئيس تأكيده على أنه سيرعى عملية التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، داعيا الحكام العرب إلى الاستفادة من حكمة الرئيس علي عبد الله صالح، وقال: «فعلاً لقد قدم الرئيس نموذجاً أتمنى أن يقتدي به بقية الرؤساء والحكام العرب» واعتبر تشكيك قيادات في أحزاب المعارضة في حديث رئيس الجمهورية بأنه «محاولة منهم لتبرير عدم جديتهم وعدم أهليتهم للتحدي التاريخي الذي ينتظرهم لذلك يبحثون عن مبررات لعجزهم وعن استعدادهم». وفي رأي مغاير شكك علي الصراري رئيس الدائرة الإعلامية بالحزب الإشتراكي اليمني في إعلان الرئيس صالح واعتبره تدشينا للحملة الانتخابية وقال الصراري في تصريحات صحافية أن ما أعلن ليس سوى دعاية انتخابية مبكرة الغرض منها الرد على الانتقادات القوية التي تنشر في العديد من الصحف الأهلية اليمنية، وتوقع أن الرئيس صالح سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة بدون منافسة إلى جانب مرشح الظل كما حدث في انتخابات الرئاسة في العام 1999م. وأكد أنه لا توجد متغيرات تشير إلى أن ما أعلنه الرئيس صالح اليوم أمرا جادا، وأنه لا زال يحتكر السلطة . وقال «إذا قرر الرئيس فعلا مغادرة السلطة فسيسلمها لنجله أحمد كما هو واضح الآن والذي يعد بصورة مستعجلة ليخلفه في هذا الموقع». وأضاف الصراري «أعتقد وبعد 27 عاما من استمرار الرئيس صالح في السلطة حان وقت التغيير». داعيا الرئيس للقيام بالتغيير المطلوب من خلال مبادرة تعطي المصداقية لما أعلنه امس الأول والإمتناع من الاستمرار في السلطة، وطالب الرئيس صالح باستغلال بقية الأيام القادمة «إن كان جادا فيما يقول» بترتيب عملية النقل السلمي للسلطة عن طريق تهيئة البلاد لخوض انتخابات حرة ونزيهة تساعد على نقل اليمن إلى مستقبل جديد. مصادر اخرى في المعارضة توقعت أن تكون تصريحات الرئيس «محاولة لتخفيف النقد الإعلامي عليه والتي تتحدث عنه باعتباره المسؤول عن كل ما يحدث في اليمن بما في ذلك ما يحدث داخل أحزاب المعارضة». وقالت «جرأة النقد الإعلامي المعارض جعلت الرئيس والإعلام الرسمي يظهران بصوت خافت، والرئيس بخطابه هذا يبحث عن قلب المعادلة من خلال إبداء استعداده لترك الرئاسة وهو ما سيدفع الإعلام للبحث عن مسؤولية كل الأطراف بما فيها قيادات وأحزاب المعارض». واضافت «الرئيس أحرج بخطابه حتى الكتاب والإعلاميين الرسميين الذين كانوا يظهرون كمدافعين عن الرئيس لأن دفاعهم كان يساعد في استمرار الرئيس كهدف للنقد، وهو ماحاول به صالح الخروج منه بهذه التصريحات». هذا وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اعلن انه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في سبتمبر من العام القادم 2006. وقال صالح كلمة له في حفل الاستقبال الذي اقيم الاحد في رئاسة الجمهورية بمناسبة الذكرى ال 27 لتولية الرئيس صالح مقاليد الحكم في اليمن في 17 يوليو عام 1979 ان قرار عدم ترشيح نفسه هو مبادرة رئاسية من اجل تداول سلمي للسلطة في البلاد. واضاف «ان على كل الاحزاب والتنظيمات السياسية بما فيها المؤتمر الشعبي العام البحث عن كفاءات شابة وجديدة لخوض غمار هذه المنافسة ويجب ان نربي انفسنا واجيالنا على مبدأ التداول السلمي للسلطة». وزاد:«نريد أن نؤسس نموذجا للتداول السلمي للسلطة». وتعهد صالح بأن يكون راعيا للقيادات القادمة معربا عن أمنياته بأن تقود البلد قيادات شابة قادرة على العطاء. وأضاف إن الناس ملوا الزعامات الباقية لفترات طويلة على كرسي الحكم مشيرا إلى أنه ملتزم دستوريا بأداء واجبه خلال ماتبقى له من فترته الرئاسية الحالية. وقال نستطيع أن نعلم الناس كيف يصنعون نماذج ديمقراطية وكيف يكون التداول السلمي للسلطة. ويأتي قرار الرئيس اليمني بعد حملة انتقادات حادة وجهت له من قبل بعض الصحف المعارضة ومطالبة احزاب اللقاء المشترك (تكتل يضم الاصلاح والاشتراكي والناصري واحزاب اخرى) له باجراء اصلاحات سياسية في البلاد.