سنختلف مع المسؤول، وسننقد الخطأ، وسنعري الفساد، ونحارب الظلم، وندعو للحرية والعدل، وسنطالب بحلول للبطالة، ولكثير من المشكلات التي نعايشها وتلفنا نحن جزء من البشر، فينا القوي، وفينا الضعيف، وسيكون بيننا ظلمة ومعتدون، وفساق وانتهازيون، وغير ذلك، فهذا شيء جبلت عليه الحياة، حتى في دائرتي الإيمان والإسلام، ومجتمع التقوى سيوجد مثل هؤلاء، ممن تضعف تقواهم، وينقص إيمانهم، وتستشرف نفوسهم للظلم، والبغي والعدوان، والفساد الأخلاقي، والإداري. قلنا هذا مرات ومرات، ونعيده مرات أخرى، حتى يرسخ في الأذهان، فلسنا ملائكة أبرارا أطهارا، نحن من بني آدم، وآدم نفسه عصى ربه فغوى، ثم اجتباه ربه، فتاب عليه وهدى. وفي بني آدم ما جبلوا عليه من القصور والتقصير، الخ. ومجتمعنا بالتالي ليس بدعا من المجتمعات، ووطننا كذلك ليس مختلفا عن بقية الأوطان، ففي أبنائه من يسرق ويقتل ويزني ويكذب ويخدع ويماطل ويعتدي، ولولا ذلك لما شرع الله تعالى القصاص، وحدّ الحدود. بيد أن فئة من أحبابنا وبني جلدتنا يأبون أن يستوعبوا هذا الأمر البين، فيتخيلون مجتمعا ووطنا لم يوجد، ولن يوجد مثله في الدنيا، حتى في خير القرون لم تكن المثالية بنفس الصورة التي يطمح إليها أحبابنا. لهذا لا بد أن نعلم أن المعصية باقية ما بقي الزمان، وبالتالي لا بد من وجود عصاة، ومجرمون. مهمتنا قطع دابرهم بالطريقة المثلى دينا وعقلا وفكرا وسلوكا وحدودا وقصاصا. فلنشهر سيف الحرب عليهم حتى يهتدوا أو يهلكوا، أو تقلل شرورهم ويعصم منها غيرهم ممن لم يلتحق بهم، أو ينجر إليهم. فحربنا على الظالم ينبغي أن تكون بعقل وحكمة، في إطار الشرع الحنيف الذي نخالفهم من أجله، لا من أجل أنفسنا، وهذه نقطة تغيب عن أذهان كثيرين، ألا وهي أن دفع الظلم ورفعه والأخذ على يد الظالم لها إطار شرعي ينبغي الحفاظ عليه، والالتزام به، حتى لا نصبح نحن في دفعنا له ظلمة من جهة أخرى. ونحن في زمن تعالت فيه أصوات تطالب بالحرية والعدالة والنزاهة وتعلن حرب الفساد وإزالة عروش الظلمة، ونحن معهم في الهدف، ولكننا نختلف في الطريق والأسلوب، والوسيلة، إذ إن كل هذه الغايات نبيلة وشرعية، لكن السعي إليها بإشاعة الفوضى، والخروج على من ولاه الله الأمر علينا لا يقل بشاعة ولا مخالفة للشرع مما نسعى لتغييره، أو نرفع شعار السعي لنيله. فالذي جاء بالعدل وأمر به هو نفسه الذي نهانا عن نزع اليد من الطاعة، وعن الخروج على الولاة، وهو الذي حذرنا من التنازع وأمرنا بالوحدة والتآلف، فلا يصح عقلا ولا شرعا أن نطيعه في بعض الأمر حيث وافق هوانا وسار في الطريق الذي نريده، ونخالفه في الأمر الذي خالف هوانا وسار في الطريق الذي لا نريد، حينها يكون الأمر طاعة للهوى لا للشريعة، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كل لا يتجزأ، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ويقول الحق تبارك وتعالى (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) وليس اتباع الهوى هو فيما نراه من معصية بينة كالزنا وشرب الخمر وأمثال ذلك، ولكن اتباع الهوى في مخالفة الشرع في أي أمر من أوامره. وفي الأثر: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. فتغيير المنكر يجب أن يكون بالطريق الشرعي، وفي إطار الهدي النبوي، إلا نفعل تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. وإني لأرجو من أحبتي في هذا الوطن الغالي أن يأخذ بعضنا بحُجز بعض عن الفتن والفوضى، دون أن نبرر للباطل، ودون أن نسكت عن الحق، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه يقول : بايَعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وسلَّم على السمعِ والطاعةِ في المَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وأن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه وأن نقومَ، أو : نقولَ بالحقِّ حيثُما كنا لا نَخافُ في اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. متفق عليه. فالجمع بين الأمرين هو الذي يقودنا إلى الخير وننال به الإصلاح، دون أن تراق دماء، أو تنتهك أعراض، أو تسلب أموال، أو تشرد نساء وأطفال، والواقع حولنا يشهد بذلك، ومن ابتلي بشيء من الظلم فليدفعه ما استطاع، وليصبر وليحتسب، فعند الله تجتمع الخصوم.