احاول ان ابتسم كلما قرأت في الصحف خبراً عن حملة من حملات مكاتب مكافحة التسول في جدة، او في غيرها من مدن المملكة ومناطقها من نوعية (تم القاء القبض على 73 متسولاً، او 43، أو 37).. وسبب محاولتي الابتسام انه بعد اطلاعي على اخبار هذه الحملات يصادفني (ولا اريد ان اقول ان يصدمني) وجود ضعف هذا العدد في طريقي من البيت للعمل، ومن العمل للبيت، ومن البيت للمسجد، والسوق فأجد نفسي مضطراً للبحث عن ابتسامة بل انه اصبح منظراً متكرراً ان اقرأ عن حملة من هذه الحملات فأجد بعدها بساعات اضعاف، اضعاف اعداد المتسولين، والمتسولات وهم ينزرعون في كل مكان تقريباً (كأن هذه الحملات تزيدهم حماساً، ونشاطاً، وحيوية) على طريقة المثل القديم الذي يقول (الضربة التي لاتقتلني تزيدني قوة)... وهم - في حقيقة الامر - يزدادون قوة بعد كل حملة تتم عليهم فنعتقد - نحن - ان هذه الحملات بمثابة - فيتامينات - تمنحهم الحيوية، وتكسبهم النشاط..! مراجعة لقوة المتسولين وعلى مكاتب مكافحة التسول (رغم جهودها المشكورة في مكافحة هذه الظاهرة) ان تعترف ان اعمال ونشاط، وحركة، وانتشار التسول، صار خارج سيطرتها وقدراتها، وامكاناتها، والصورة واضحة (لنا، ولهم) داخل المساجد، وخارجها، وداخل الشوارع، والميادين، والاسواق، والطرقات، والاشارات، وخارجها.. ومع كل حملة تقوم بها مكاتب مكافحة التسول يظهر في اليوم نفسه او في اليوم التالي متسولون مهرة (كأننا لم نقم بحملة، وكأننا لم نقبض على متسولين، وكأننا امام سيل منعنا جزءاً منه، وتركنا الاجزاء الاكبر تفيض).... وكلما قرأت، او سمعت، او رأيت حملة من حملات مكاتب مكافحة التسول (في جدة مثلاً) ساورني اعتقاد مدهش وهو انني لن ارى في طريقي ذهاباً، وعودة متسولاً عند الاشارة، او مجموعة متسولين او متسولاً او مجموعة متسولين عند باب مسجد، او داخله، او في سوق عام، او عند مطعم، او سوبر ماركت، او مركز تجاري، ويخيب ظني تماماً فالعدد في ازدياد وظهور المتسولين، والمتسولات يكاد يصبح طبيعياً، في اي مكان يخطر ببالك، وفي اي مكان قد لا يخطر ببالك (وفي اي وقت ترى انه مناسب لظهورهم وفي اي وقت لا تراه مناسباً لظهورهم مثلاً بعد انصاص الليالي، وفي اماكن عامة في طريق المدينة تحت الكباري او حولها)... وظهور المستولين بعد الثانية ليلاً امر مثير ولكن سكان مدينة جدة وزوارها اعتادوا عليه، واصبحوا يتندرون منه في مجالسهم، واحاديثهم، وفي الوقت نفسه فإنهم غير قادرين على محاربته..؟ الاحتياطي «عشرة أضعاف» ويكاد لسان حال ادارة تشغيل المتسولين يقول رداً على حملات مكاتب مكافحة التسول المتواصلة ان لديه احتياطياً كبيراً من المتسولين يفوق ما يتم القبض عليه عشر مرات، وربما اكثر بدليل ما نراه بالفعل كل لحظة من متسولين، ومتسولات من القارتين الآسيوية، والافريقية، ومن الناطقين بالعربية، والناطقين بغيرها، ومن الجنسين (رجالاً، ونساء، ومن مختلف الاعمار بدءاً من الاطفال، الى كبار السن، ومن ذوي البشرة البيضاء الى ذوي البشرة السمراء، ومن القادرين على العمل ومن المعوقين، والعجزة).. ولا تكاد تغادر المسجد، وتذهب الى السوق وتغادر السوق، وتذهب الى البيت، وتغادر البيت، وتذهب للفسحة، الا وتجد امامك وفي طريقك نماذج مختلفة من المتسولين، والمتسولات ومن مختلف الاعمار، ومختلف الحاجات، وهذا يعني ببساطة شديدة صدق ادارة تشغيل المتسولين بأن لديها احتياطياً من هذه الفئات يفوق بالفعل (العدد الاساسي في الملعب) بحيث لا يتأثر (الاداء العملي) للمتسولين من الحملات التي تتم على الفريق الاساسي الذي نعتقد ان القبض على عدد منهم سيؤدي الى حدوث نقص في صفوفهم بينما تطلق ادارة مكاتب تشغيل المتسولين اعداداً اخرى - في اللحظة نفسها - او في - اليوم نفسه - تفوق الاعداد التي تتم القبض عليها من قبل مكاتب مكافحة التسول في اطار حملاتها المستمرة...! خطة صيف، وعودة للتألق وفي تصريح صحفي لمدير مكتب مكافحة التسول بجدة سعد الشهراني قال فيه ان المكتب لديه (خطة صيفية) مكثفة لمكافحة المتسولين (عند الاشارات الضوئية، والميادين العامة) بالتنسيق مع ادارة الجوازات. الجديد في التصريح الصحفي - تلك الصحوة - للوافدين الذين استعادوا من خلالها سيطرتهم - على سوق التسول - فأصبحوا يمثلون 98 في المائة - كما جاء في تصريح مدير مكتب مكافحة التسول بجدة، وهذا - طبعاً - لا يبشر بخير لأنه يعكس (النوايا الهجومية) لدى الاخوة المتسولين، ويكشف (همة، وحيوية، وبعد نظر) ادارة تشغيل المتسولين في السيطرة على (سوق الشحاتة) بالطول، والعرض... وكانت الحملات الأمنية - في جدة - قد كشفت عن معلومة مهمة حينما القت القبض على عدد من المتسولين المعوقين من ذوي البشرة السمراء، وابلغوا - رجال الأمن ان عصابات في بلادهم تقوم بتوفير التأشيرات، وتوفير الاقامة لهم لممارسة نشاطهم التسولي، على ان تحصل هذه العصابات على (75 في المائة من الدخل) ويحصلون على الخمسة والعشرين وهذه العصابات أو (الرؤوس المدبرة) للتسول، والحركة له، والراعية الرسمية لنشاطه هي التي يجب ان يكون البحث عنها جارياً، وهي المعنية بما اسميناه (ادارة تشغيل المتسولين) واستناداً لاعترافات عدد من المقبوض عليهم من المعوقين بشأن النسبة العالية التي تحصل عليها العصابات الكبيرة تزداد المسؤولية للقبض على (الرؤوس الكبيرة) بالحصول على مزيد من اعترافات المتسولين من ذوي البشرة السمراء، وذوي البشرة البيضاء للوصول على الرؤوس الكبيرة التي بتهاويها، وسقوطها نبدأ في التخلص شيئاً فشيئاً من (افواج المتسولين) وهجماتهم الدائمة التي باتت في الفترة الاخيرة مزعجة جداً لحد لا يطاق ومن الضروري اغراء المتسولين الافراد بالعفو عنهم مقابل المساعدة في كشف الرؤوس الكبيرة بل وتقديم مكافآت للمتسولين في حالة كشف هذه الرؤوس الكبيرة، قبل حوالي عشرين عاماً لم اصدق زميلاً صحفياً قال لي ان هناك عصابة تستقدم متسولين بتأشيرات للعمل في موسمي رمضان، والحج، حتى تأكدت هذه المعلومة رسمياً، وباضافة الموسم الثالث: موسم الاجازة الصيفية، او الاجازة الدراسية ازاداد (جشع، وطمع) الرؤوس الكبيرة..؟ «الدعم اللوجستي» وراء النجاح ويبدو ان الامور تسير في غير صالح مكاتب مكافحة التسول وجهودها وأنشطتها بقدر ما تسير لصالح (الاخوة المتسولين) وجهودهم، وأنشطتهم بدليل هذه الاعداد المتزايدة، والنشيطة، والمتحركة في كل الاتجاهات، وبدليل هذه الصور الواضحة والكثيرة لأفواج المتسولين صباحاً، ومساءً، وليلاً الى ساعة متأخرة... وبدليل اختلاف جنسيات المتسولين واختلاف اسلوبهم، وطريقتهم ونشاطهم. وبدليل جرأة بعضهم وتواضع بعضهم الآخر اثناء مهمات (الشحتة).. وايضاً فنون كل فئة من الفئات: من يستخدم (اسلوب الخطابة) ليلفت الانظار، ومن يستخدم (اسلوب الصمت)...ومن يستخدم (اسلوب المواجهة).... الى آخر الاساليب المعروفة، والمتكررة، والمتلونة، والمتحركة للوصول للهدف الرئيسي من (الشحتة) وتأمين دخل مناسب يتماشى، ويتمشى مع الجهد المبذول من قبل هؤلاء المتسولين، ومن قبل الجهة التي تشرف على (تشغيلهم) وتقديم (الدعم اللوجستي) لهم من تدريب، ونقل، وتهيئة اماكن، ومواقع....