نتلقى أخباراً غريبة في المجتمع ناتجة عن تأثير أفلام ومسلسلات مدبلجة؛ فهذا انفصل عن زوجته لأنّها غير رومانسية، أو جميلة، أو حتى لا تبادله تحمل المسؤولية، بينما الأخرى تعيش خيالات الندم على ما تشاهده وواقع حياتها مع زوج بخيل، أو غير مهتم بالعواطف، وأكثر من ذلك لا يستجيب لها. وبين الرجل وزوجته - اللذين يتحسران على "سنوات الضياع" التي مضت وغاب عنها تفاصيل الحاضر والمستقبل -، يبرز تأثير المراهقين من الجنسين أكثر، من حيث رؤية البطلة الجميلة في المسلسل، ورومانسية ورقة الفنان المفضل، حيث تحولت صفحات كتبهم إلى خرائط غزلية، وأحرف عشق، ولوحات ملونة للبطل!. ويعد هذا الأمر واقعاً مرّاً تعيشه بعض البيوت شئنا أم أبينا، فلا مجال للنفي، ولن نواجه الواقع بحلول وهمية، بل يجب أن نفتش ونبحث عن الأسباب للوصول إلى حلول ناجعة تساهم في تقليل الجوانب السلبية لمتابعة هذه المسلسلات والأفلام، فالفتيات المقبلات على الزواج يطلبن صور طبق الأصل من الأبطال، والأزواج كذلك، من دون أن يتوصل كلا الطرفين إلى طريقة يمكنه إرضاء الطرف الآخر ومعرفة احتياجاته، حيث أصبح الأمر متعلق بمجرد البحث عن النواقص والعيوب التي لا توجد في البطل والبطلة دون البحث في وسائل وأساليب اكتمالها. استعمار ثقافي! وذكر "عبدالعزيز إبراهيم" أنّ المشاهد الرومانسية تجذب الجميع، مبيّّناً أنّ بعض مخرجي المسلسلات يعتمدون على اللقطات الساخنة ويكثفونها أكثر من غيرها؛ لأنّه يعلم ما يجذب المشاهد، مشيراً إلى أنّ المسلسلات المدبلجة تضاعف حجم مدمنوها، وباتت محط اهتمام الكثيرين، معتبراً أنّ فئة الشباب هم أكثر المتضررين؛ كونها تغرس فيهم أفكاراً وأخلاقيات منافية لما تربوا عليها، حيث اجتمعت كل عوامل التأثير من جاذبية الأبطال إلى البراعة في التمثيل والإخراج؛ مما يسهّل إنقياد البعض وإمكانية وقابلية استعماره ثقافياً. تلاشي مفهوم العيب وكشفت "نجود السالم" - معلمة رياض أطفال - أنّها رأت وزميلاتها المعلمات سلوكيات أطفال بريئة ولكنها أكبر منهم، ولا يعرفون مدلولها في سن مبكرة، مثل القبلات. وقالت هناك أفعال يود الطفل تطبيقها رغم قناعته الداخلية بأنّ ذلك عيب، وإلاّ لما فعلها في الخفاء، وأكبر هاجس من المسلسلات والأفلام بجميع أنواعها الكرتونية وغيرها، حيث أنّها قد تثير غرائز الأطفال وتسيطر على عقولهم، وتكسبهم صفات وسلوكيات كالعنف والعدوانية، كما أنّها تؤثر على البية التحتية للثقافة، والعادات والتقاليد، والحياة المجتمعية بشكل عام، وأصبح بعض الأهالي لا يكترثون بوجود الأطفال معهم لمتابعة الأفلام والمسلسلات، فالأب والأم ينسجمان في المتابعة ولا يأبهان بمن يتواجد معهم في المكان نفسه، فطفلهم يرى كل ما يحاولون حجبه عنه، حتى يتلاشى مفهوم العيب لديهم. المسلسلات التركية نجحت في التأثير على المتلقي عاطفياً.. وسياحياً لحظة رومانسية ولفت "عبدالعزيز التركي" إلى أنّ ما أثار دهشته ما ذكرته إحدى الصحف من أنّ إدارة الأحوال المدنية بالرياض سجلت ما يقارب (700) طفلة باسم ممثلة مشهور، وتسمية حوالي (500) طفل باسم ممثل مشهور، حيث يدل ذلك على إعجاب المشاهدين بأسماء هذه الشخصيات فأطلقوها على أبنائهم، معتبراً أنّ ذلك قد يهون عند الطلاق الذي رماه الزوج حين وجد صورة بطل أحد المسلسلات على هاتف زوجته النقال، مضيفاً: "وما أثار دهشتي وغضبي في الوقت نفسه؛ عندما طلبت زوجة من زوجها تقبيلها كما يفعل بطل المسلسل مع زوجته، أثناء مشاهدته المسلسل مع زوجته، التي طلبت منه أن يمنحها لحظة رومانسية كما يفعل الممثل؛ مما أثار غضب الزوج ودفعه لتعنيف زوجته التي فرت إلى خارج المنزل، وأخرى أمهلت عريسها الذي لم تزف إليه اسبوعاً ليغير تسريحة شعره وسلوكه كي يصبح نسخةً من بطل المسلسل، فما كان منه إلاّ أنّ طلقها، وهدم عش الزوجية قبل بنائه". تصحر عاطفي! ورأت "عبير الحميد" أنّ تعلّق المجتمع ببعض المسلسلات المدبلجة وأبطالها أنعش سياحة الدول منتجى تلك المسلسلات، حتى أصبح الحجز مستحيلاً قبل أن يتقدم الراغب بالسفر بأشهر، مبينةً أنّها لا تطالب بالامتناع عن السياحة لتلك البلاد بقدر التنبه إلى نتائج تعلق المجتمع بهذه المسلسلات. وأفادت "ابتهال صالح" أنّ انبهار الأزواج والزوجات بأبطال المسلسلات وهيامهم يدل على عطش الزوجين العاطفي، وتصحر الحياة الزوجية في البيوت، مبيّنةً أنّه عندما يتخلى الأزواج عن شحهم العاطفي مع زوجاتهم - والعكس - سيغيب هذا التأثر العاطفي بالمسلسلات والأفلام، والتعلق بالنجوم. التحصيل الدراسي وأوضحت "حمدة البقمي" - أخصائية اجتماعية - أنّ نسبة كبيرة من الطالبات قد أثرت المسلسلات على تحصيلهم الدراسي وعلى تركيزهم الذهني، بل ودمرت بعضهم، مضيفةً: "أنا هنا لا أتحدث من فراغ، فواقع معظم طالباتنا هو الذي يحكي ذلك؛ فكتبهن تطالعك بأسماء أبطال المسلسل، وهوايات لا نكتشفها إلاّ مصادفة من خلال الكتب والدفاتر من الرسومات، وخواطر تناجي بها الطالبة الأبطال أثناء الحصة، وأثناء شرح المعلمة، وأنا لا أعمم لكن هذا واقع الكثيرات، وهناك دوافع كثيرة وأسباب لذلك أولها الجفاف العاطفي". د.عبدالرزاق كسار محاكاة الخيال وقال "د.عبدالرحمن الكسار" - مستشار أسري وتربوي - إنّ المدّ الفضائي له أثر سلبي على فكر الأطفال والكبار، وما ظهر من مسلسلات مدبلجة تحتوي على الكثير من الأفكار، والثقافة، والعادات المغايرة للمجتمع، حيث تقدم على طبق جميل مُحاط بالكثير من التبرير والتغرير بالناس، فكل فكرة موجودة في المسلسل تُقدم وكأنهّا حل لنوع من المشكلات، وتصور للمشاهد وكأنّها أمر طبيعي، مضيفاً: "يخطئ من يظن بأنّ الطفل هو المتأثر الأكبر، بل حتى النساء والرجال، وإن كان الطفل يحاكي ما يشاهده بسهولة خصوصاً إذا كان مشبعاً بالعاطفة، والجمال، وإشباع ما يفتقده من حب، واهتمام المحيطين به؛ لذا من المألوف أن نجد طفلاً يبكي إذا شاهد مشهداً مبكياً للبطل أو البطلة، ويزداد تعلقه واقتناعه بما يُقدم إذا كان أبوه وأمه يشاهدان هذا المسلسل وينتظرانه بفارغ الصبر، وربما تكون المسلسلات الخليجية والعربية أكثر تأثيراً على الطفل، والمسلسلات المدبلجة أكثر تأثيراً على الشباب والنساء؛ لإحتوائها على كم هائل من الرومانسية التي يفتقدها البعض". مقارنة بالواقع وأضاف "د.الكسار" أنّ الزوجة تشاهد بطلاً وسيماً يذوب عشقاً في حبيبته، فتبدأ المقارنة وتعيش خيالاً يتعارض مع الواقع، مبيّناً أنّ بعض الرجال دون شعور أو قصد أو وعي يساهم في جعل زوجته أو ابنته أو أخته يتابعن مثل هذه المسلسلات، في حين لا يهتم بمشاعرهن ولا يلاطفهن، وأيضاً لا يكون مهتماً بمظهره وسلوكه، وبالتالي حين تشاهد هذه الزوجة أو الفتاة البطل في المسلسل رشيقاً وسيماً يذوب عشقاً وهياماً في حبيبته ويعاملها برقي تبدأ بالمقارنة مع حالها، ثم تكون النتيجة لصالح النجم التلفزيوني، وهذا مدخل واسع للخلافات الزوجية؛ لأنّها تعيش في خيال يتعارض مع الواقع، فتظهر المشكلات وتزداد بسبب رغبة الزوجة في جعل زوجها نسخة من بطلها التلفزيوني، والأمر نفسه كذلك بالنسبة للرجل. جهاز الفرز وأشار "د.الكسار" إلى أنّه مما يجعل الأمر أكثر تأثيراً امتلاك صانعي هذه الأفلام والمسلسلات لإمكانات وتصوير ومناظر خلابة تجعل الجمال والشعور كاملاً؛ مما يجعل الصورة حالمة جميلة في أذهاننا، وهم أيضاً يجعلون المشاهد يعيش الحدث كما يريدونه فلا يستهجن أي سلوك شاذ، بل يتعاطف مع صاحبه، وهذا مع مرور الوقت سيؤدي إلى سلوكيات تضر وتؤثر بتركيبة المجتمع، متمنياً من المسؤولين عدم قبول أي عمل يتنافى مع قيمنا الإسلامية وعاداتنا العربية، ناصحاً الآباء بالاعتناء بأطفالهم وتأسيسهم تأسيساً قوياً؛ كي يكون لديهم جهاز الفرز الخاص بهم فلا يتأثرون بهذه المسلسلات بل لا يرغبون بمتابعتها. مشاعرك الزوجية الصادقة كافية للتعبير عن حبك الحقيقي