تعودنا أن نسمع التوصية والوصية بمفهوم زمني محدد ومضمون معين وذلك أول ما تطرق مسامعنا تلك الكلمات، ونجعل الأمر محصورا في المال وأمور الدنيا، ولكن الحاجة لوصية الأولاد والرفاق بما هو أهم قد يغيب عنا أحيانا، وأعني بذلك تآلف القلوب والحرص على الأدب والعشرة الطيبة وحسن الخلق، فإن مثل ذلك أثمن وابقى، وتأثيره في النفوس أغلى كنز. قد كنت نشرت في هذه الصفحة من جريدة الرياض في 24/4/1418ه توصية وجهتها لابنتي الجوهرة يوم زواجها، ولعل تلك التوصية يتذكرها بعض من قرأها فطلب مني نسخة منها ولم يجدها في أرشيف الجريدة الموقع الالكتروني، وكان وقتها أول بداية التواصل عبر الشبكة، فأحببت اليوم أن أعيد نشرها لعل فيها فائدة لمن يطلع عليها ولعل من يضيف عليها يكون أبلغ للفائدة، فما أحوج أولادنا لكلمات الصدق معهم. نص الوصية وصيتي لك يابنتي إليك يا بنتي وصيتي في هذا اليوم الذي تنتقلين فيه من بيت ألفته وعشت فيه وترعرعت بين جنباته، إلى عشك الجديد الذي تحلمين فيه بالسعادة والأنس مع شريك حياتك، وتأملين مثل بقية الفتيات أن يكون بيتك مثاليا يخلو من المنغصات وتظلله أوراق المسرات وتحيط به زهور الرضا والمحبة من كل الجنبات. كنت طفلة صغيرة في بيتنا تنعمين بالتدليل، ثم كبرت فصرت عضواً من أعضائه شاركت في إشاعة جو من البهجة فيه ورسمت صورتك في جنباته، وسيبقى لك فيه صدى صوت يتردد ينادينا دائما ويذكرنا بأنك كنت طفلتنا الصغيرة. لو كنت أعلم يا بنتي أن بقاءك معنا يسعدك ما تركتك تغادرين، لكن يقيني أن سعادتك الحقيقية في بيتك ومع زوجك وأولادك في المستقبل إن شاء الله، في عشك الذي تبنينه بنفسك وتحافظين على تماسكه بسلوكك وحسن أدبك وتعاملك. ولو كنت أعلم أن سعادتي وسعادتك في امتلاكي لك والإقفال عليك لأقفلت عليك بكل ما أستطيع، ولكنني ادرك أنك في بيتك الجديد أكثر انتماء لنا، وسعادتي وأنت فيه أكثر من سعادتي وأنت أسيرة الوحدة، كما أن سعادتك لا تتحقق إلا في بيتك مع زوجك. وما دمت بدأت مشوارك، وسار بك القطار إلى حياتك الجديدة، فاعلمي أن معك في الدرب شريكا لك هو زوجك،يحلم بما تحلمين به، ويأمل أن تكوني عونا له، يجد فيك الصدر الرحب إذا ضاق صدره بالهموم وتضيئين له طريقه بالأمل إذا أظلم عليه الأفق، فاجعلي من بيتك الملاذ له ليستريح فيه، ولا تجعليه مصدر نكد يبحث عن الراحة في غيره، وترجمي له إحساسك بالرضا بما أنت فيه ولا تكلفيه بما يثقل كاهله أو يزعجه في حياته فتكون أنانيتك سببا في تعاستك وتعاسته. لا يكن همك من الحياة أن تعيشي في نعيم، وعيش رغيد تنافسين اقرانك بكثرة اللباس، أو تكونين حكاية في الإسراف يرددها الناس وليكن لك قدوة من النساء الصالحات تقتدين بها، ومن الحكمة ما تسترشدين بها، ومن العلم ما ينفعك وينير أفكارك، واعلمي أن الله قد وهب لك عقلا راجحا فأطلقي له العنان يعمل ولا تكوني إمعة تسيرك الأهواء وتتلقين الإرشادات من الجهلاء فيعدك الناس من السفهاء. لا تطيعي حاسداً ولو كان أقرب قريب، ولا يكن من سجيتك البغضاء والتكذيب ولا تحاولي الهيمنة على بيتك بالتسلط والتخريب، وكوني لزوجك الحبيب والطبيب، والتمسي ما يحب من منظر أو مسمع أو تعامل وتجنبي التقطيب. واعلمي أن لك في الماضي أهلا ورحما فلا تقطعيهم، وصديقات فلا تنسينهن، وأهلا في الحاضر صرت واحدة منهم فأكرميهم وكوني لهم ابنة بارة بهم، ومصدر عز لهم وفألا حسنا حل عليهم وشمعة من شموع بيتهم أضاءت فيه معهم. لا تنقلي أخبارهم ولا تفشي أسرارهم ولا تكشفي ما وراء أسوارهم فإن لبيوت الناس حرمة لا يحبون أن يطلعوا أحدا عليها، وكوني صموتة عن النميمة، لا تفاخري بنقل الأخبار ووصف ما رأته عينك عن الأهل والجيران فإن الكلام إن زان أخذه الناس لهم، وإن شان نسبوه لك، وعليك أوزاره وصار عليك بئس الخسارة. وأختم قولي بكلمات وضعتها في الأخير لتكون اقرب لفهمك ووعيك فلا تنسيها: كوني مع الله وعليك بمحبته والعمل على رضاه، فإن أحبك الله من كمال في خلقك وحسن في أدبك ورحمة من حولك جعل محبتك في قلوب العالمين وحصلت على نعيم الدارين، وإن ابغضك بغض الخلق فيك وخسرت كل شيء فلا ينفعك بعد ذلك الندم. والسلام والدك