قالت فيروز إن أبا الهول صديقها أيْ: هما صديقا الصمت. اختارت أن تشدو بقربه على مسرح الصوت والضوء 1989. أنشدت له باسم القوة والعزم والأصالة "أهو دا اللي صار" التي كتبها يونس القاضي ولحنها سيد درويش. وسبقتها وردة لترفع عقيرتها فزاعة ضد الخيانة والذل وتمجد الوفاء وتنذر بدائرة الزمان على أرواح وأذهان فقدت صلتها بعقل الكون وإعلامه وتعطلت أجهزتها الشعورية والسلوكية في "لعبة الأيام" (1961) لعلي مهدي ورياض السنباطي، الذي منح ذهنه وروحه وعبقريته فرصة التثاقف مع روح وذهن وردة وأسمهان، اللتين تعزز عندهما التواصل والتفاعل مع الإعلام الكوني، حيث منحتاه فرصة اكتشاف عبقريته مجددا مع نهر الكون. لم يكن أبو الهول إلا حارس الخلود. ولم تكن الحناجر إلا أصوات الوجود، إنهم فوق الطبيعة، أبعد من حدود اليابسة والماء، أعلى من فضاء السماوات، إنهم "أولئك الذين يُغْنون عالمنا الروحي (بالموسيقى، والأدب، والدين)، أي العباقرة، والأنبياء والمستبصرون، أناس غير طبيعيين، مع العلم أن المجتمع البشري من غيرهم يفقد بشريته بالمعنى المعاصر للكلمة، ويتحول إلى جمع من البائسين روحياً، والعامهين أخلاقياً "(ميغولفسكي، 2009، 568). إذن، فإن المبدعين والمبدعات، أهل النغم والأصوات، أهل الكلمة والأشعار، سلاحنا ضد البؤس والعمه! أبو الهول هو حارس المعبد الذي يرمز إلى الكون، الموسيقى صوت الكون، الحناجر هي رنين لأجرام هذا الكون، إنها الأنفاس على هذه اليابسة والماء، ترفع يديها فيروز لئلا تقع السماء، هكذا قال سعيد عقل. وردة في كل دفقة صوت صلاة طويلة هكذا أقول، ترتل الحياة تقولها بالجسد والروح، تقولها بالابتسام والحضور الطاغي. لكل حنجرة طقوس، بعضها من فرح، وبعضها من حزن، وبعضها من شموخ وبعضها من انكسار. "مَنْ مات قبل الطّقوس له جنةٌ، ومن لم يمُتْ. لا يموت.." هكذا يقول قاسم حداد. الحناجر إعلامنا إلى الكون، على مذبح الأسرار، إن لكل حنجرة مزمار وجناح، بعضها يحمل النذور وبعضها قرابين الحياة، يسعى إلى كل حنجرة قديسة رهبان مولعون بالصوت والنغم. من يخرج من المعبد؟، يحمل التجربة نحو الأقاصي. * من مقدمة كتاب جديد بعنوان "الخروج من المعبد: توليفات أنثروبولوجية في الغناء العربي"، ويصدر عن دار العين للنشر، القاهرة، 2013.