كان شهر يناير لحظة مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية. ولقد شعرت بسرور كبير لمشاهدة وسماع رسائل التهنئة المرسلة إلى النساء الثلاثين اللواتي تم تعيينهن عضوات كاملات في مجلس الشورى السعودي. وقد جاءت هذه الرسائل من مختلف أنحاء المملكة، وتردد صداها في وسائل الإعلام الاجتماعية وتقدم بها قادة من جميع أنحاء المنطقة ومن حول العالم. إنه لمن دواعي اعتزازي واعتزاز زوجتي، الدكتورة جانيت بريسلين-سميث، أن أتيحت لنا فرصة لقاء بعض هؤلاء الأعضاء الجدد المميزين والموهوبين، من الرجال والنساء على حد سواء في مجلس الشورى السعودي، وأتطلع قُدمًا إلى المساهمات العديدة التي سيحققونها من خلال خدمتهم وقيادتهم. وأحيي خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإطلاقه هذا الفصل الجديد في تاريخ المملكة. إن هذا الحدث يذكّرني بجزء من ماضي بلادي الذي شهد تغييرات مهمة في تاريخ الأميركيين السود. ففي الولاياتالمتحدة، يُحتفل في شهر فبراير للاحتفاء بتاريخ السود الأميركيين، وذلك تكريماً للتاريخ الثقافي الغني والتقاليد والمساهمات التي قدمها الأميركيون السود لأميركا. وتاريخ الأميركيين السود يتضمن سوء المعاملة القاسية وعدم المساواة، لكنه يشمل أيضاً مدى التقدم والانجازات العظيمة التي تم تحقيقها على مدى 250 عاماً الماضية. وقد حصلت أحد أعظم الإنجازات عندما تحرر الأميركيون السود من العبودية وحصلوا على الحقوق الكاملة للمواطنين. هناك من يسأل لماذا لا نزال نحتفل بشهر تاريخ السود، ولا سيما الآن، بعد أن أعادت أميركا انتخاب أول رئيس أسود لها. وجوابي هو أنه ينبغي علينا أن نستمر بالاحتفال بهذا الشهر لإحياء تلك الذكرى وذلك التقدير إلى أن يأتي اليوم الذي نحتضن فيه ونتمتع بتاريخ وموسيقى وثقافة الأميركيين السود بقدر ما نتمتع بثقافات الأقليات الأخرى في أميركا. وعندها فقط، نكون قد بلغنا تلك الحالة من الشمول والاحترام لغنى وتنوع ثقافتنا وأملنا المشترك المبني على كل قصة فريدة لكل فرد من بيننا. ينطبع تاريخ كل دولة بمعالم بارزة مهمة. ففي الشهر الماضي، وقف الرئيس باراك أوباما على درج مبنى الكونغرس في واشنطن، العاصمة، لأداء اليمين الدستورية لفترته الثانية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا العام، صادف يوم تنصيبه لفترته الرئاسية الثانية نفس اليوم المكرس لتكريم القس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور، أحد أبرز قادة الأميركيين السود لحركة الحقوق المدنية. وكان الدكتور كينغ قد ألقى خطابه الشهير "لدي حلم" قبل 50 عاماً في واشنطن، العاصمة، في مكان لا يبعد أكثر من مسافة ميلين عن المكان الذي أدى فيه الرئيس أوباما اليمين الدستورية. وغالبا ما يتم تذكر الدكتور كينغ لخطابه الشهير المؤثر، ولكني كدارس للتاريخ، ما يثير اهتمامي بدرجة أكبر هي رسالة كتبها كينغ قبل أربعة أشهر من إلقاء ذلك الخطاب. عندما كان قابعاً في زنزانة السجن في مدينة برمنغهام بولاية ألاباما، كتب كينغ رسالة الى الزعماء الدينيين البيض الذين انتقدوا إستراتيجيته لإنهاء التمييز العنصري والظلم العرقي في سبيل توفير حياة أفضل لمواطنيه الأميركيين السود؛ وذلك من أجل تقوية الولاياتالمتحدة ككل من خلال إنهاء ذلك الانقسام المستمر منذ أجيال طويلة. وكان أولئك الزعماء يقولون للدكتور كينغ إن أهدافه "غير حكيمة وتأتي في غير أوانها" وأنه يستورد أفكاراً غريبة من الخارج، وأن عليه "الانتظار" إلى أن يحين الوقت الصحيح. لكنه اختار المثابرة. وكقائد، تجاوز الدكتور كينغ الحدود المرسومة لإحداث تغيير في وقت واجه فيه ما لا يعد ولا يحصى من المنتقدين. تمسك بمعتقداته وعمل على جعل الولاياتالمتحدة مكاناً أفضل، ليس بالنسبة للأميركيين السود فحسب، بل وأيضاً لجميع الأميركيين من خلال المساعدة في توسيع وإثراء ثقافة البلاد. فعل كل ذلك مدفوعاً بحلم قيام بلاد أكثر اتحاداً وأكثر شمولاً لجميع الناس. عندما أقرأ الكلمات التي كتبها، تلهمني مثابرته والقوة التي دفعته للدفاع عن ما آمن بأنه العمل الصحيح، حتى عندما نصحه قادة نافذون ممن كانوا من أكبر حلفائه بالتوقف عن السعي لتحقيق أهدافه. كان الدكتور كينغ شخصاً متفائلاً بالفعل، وتؤكد كلماته إيمانه العميق بالحركة التي تسعى إلى تحقيق المساواة للأميركيين السود، إذ قال: "نحن عالقون في شبكة من العلاقات المتبادلة التي لا مفر منها، ومقيّدون في لباس واحد من المصير ذاته. وكل ما يؤثر على فرد واحد بصورة غير مباشرةً، يؤثر على الجميع بصورة غير مباشرة." كان لديه حلم طموح بجعل الولاياتالمتحدة مكانًا أفضل للجميع، بغض النظر عن عرقهم، وذلك من خلال تحسين وضع المواطنين السود وجعل الولاياتالمتحدة أكثر شمولاً وتقبلاً لتنوعها بالذات. وقد عمل دون كلل من أجل تحقيق هذا الهدف، وأنا معجب بمثابرته وروحه الإيجابية المترسخة في رسالته الداعية إلى السلام واللاعنف. لقد حلم الدكتور كينغ بأميركا التي ينعم فيها أولاده بنفس الفرص المتاحة للأميركيين البيض. وكان ذلك حلماً لجعل الولاياتالمتحدة بلداً مرحباً بجميع الناس، ووضع حد لقرون من الانقسام. وإذ أقرأ كلمات الدكتور كينغ، أرى في رسالته التشجيع والأمل، إلا أنني أرى أيضاً مدى إرهاقه وإحباطه. تمّسك بالأمل في أن تزول بسرعة الغيوم السوداء للتمييز العنصري، بينما كان يتطلع إلى "غدٍ ليس ببعيد" تشع فيه "النجوم البراقة للحب والأخوة لتنير بلادنا العظيمة". وعلى الرغم من أن مهمته كانت تبدو مستحيلة فقد ثابر في متابعة حلمه لجعل أميركا مكاناً أفضل. وعلى مر التاريخ، كثيراً ما واجه أولئك الذين أرادوا إحداث تغيير إيجابي نفس الرسائل التي استخدمت لانتقاد الدكتور كينغ. نسمع الناس الآن ينصحون الآخرين بالتحلي بالصبر وانتظار الوقت المناسب لإجراء التغيير، وتجنب التأثر بما يصفونه "بالأفكار الغريبة." بيدَ أن كلمات الدكتور كينغ تذكرني بأنه حتى في الأوقات العصيبة، تستطيع الروح الإنسانية أن تنتصر عند القيام بالعمل الصحيح لتحسين حياة الآخرين. هذه هي رسالة التفاؤل والقوة والأمل التي احتفل بها شخصياً خلال شهر تاريخ السود. * سفير الولاياتالمتحدة الأميركية لدى المملكة العربية السعودية.