وفاء الأمير أحمد بن عبد العزيز لا يختلف عليه اثنان، فهو هامة كبيرة، تحظى بحب وتقدير كبيرين عبر ربوع هذا الوطن الغالي، وتفيض قلوبهم بحب هذا الرجل الكبير، الذي يُعد بحق أحد رموزنا البارزين، الذين أسهموا بكل قوه، وقدرة، وسعة حيلة، في إرساء دعائم بلادنا، حيث وضع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه- لبنتها الأولى بعد رحلة جهاد مضنية، توجها بإعلان تأسيس هذا الكيان الشامخ، ثم تعاقب أبناؤه الملوك الغر الميامين بعده، فكان كل خلف يعلي بنيان ما شيده السلف، ليس هذا فحسب، بل يزيد عليه كماً ونوعاً. وأصبح الأمن في بلادنا علامة فارقة يشهد لها العالم أجمع، تحمل جهد رجال أوفياء مخلصين نذروا أنفسهم لخدمة بلادهم ومواطنيهم فكان لهم ما أرادوا بتوفيق الله، وسوف تظل بصمة أحمد بن عبدالعزيز في هذا كله دامغة عبر الدهور، تذكرها له الأجيال المتعاقبة، وتشكر وفاءه لها وتدعو له بكل خير في حياته. والأمير أحمد بن عبدالعزيز عمل لعقود في خدمة وطنه، وكيلاً لإمارة منطقة مكةالمكرمة في عهد أخيه الأمير فواز بن عبد العزيز –رحمه الله- ، ثم نائباً لوزير الداخلية أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز –رحمه الله- ،ثم وزيراً لها، رحلة طويلة ومسيرة كفاح مضنية من العمل الشاق، ولم يكن ينظر للأمر من زاوية أداء الواجب الرسمي فحسب، بل كان يرى نفسه عضواً في أسرة كبيرة هي كل شعبه، ورسالته تحتم عليه أن يكون أخاً لكبيرهم وأباً لصغيرهم، فكان خير الأخ ونعم الوالد. ومن يتأمل حياة أحمد بن عبد العزيز الحافلة بالوفاء والإخاء والولاء لهذا الوطن وأهله، لابد أن يصاب بالدهشة لكل ما كان يتمتع به سموه الكريم من طاقة وحيوية. فبجانب حضوره في وظيفته الرسمية التي استأثرت بمعظم وقته وجهده، كما هو معلوم للجميع، كان أحمد بن عبد العزيز حاضراً إلى جانب إخوته في كل مناسباتهم، متسماً بآداب آل سعود ،ومتحلياً بخلقهم النبيل في احترام الكبير وتوقير الصغير ومحبة الناس أجمعين . فما نزلت بأحدهم نازلة إلا كان أحمد بن عبد العزيز إلى جانبه، يشد علي يده، ويحمل ما استطاع من العبء عنه، وما ابتسمت الدنيا لأحدهم إلا كان أحمد بن عبد العزيز أول الحاضرين والمهنئين. يتكرر هذا في كل المناسبات ولا يتخلف سموه الكريم أبداً عن واجبه تجاه إخوته إلا لظروف قاهرة خارجة عن إرادته. وما رأيناه بالأمس القريب في استقبال المعزين في وفاة أخيه الأمير سطام بن عبد العزيز –رحمه الله- وتشييع جثمانه وإصراره علي مرافقته إلي مثواه الأخير، في مقبرة العدل بمكةالمكرمة، والحزن الذي كان يعتصر قلب سموه الكريم، كل ذلك كان خير شاهد علي ما أقول . إذ لم يكن الأمير سطام بن عبد العزيز أخاً فحسب، بل كان صديقاً حبيباً إلى النفس، وزميلاً عزيزاً، قضى معه أجمل لحظات العمر في مراتع الصبا وقاعات الدراسة في أمريكا بحكم تقاربهما في السن. فمثلما للإخوة حظها من الحب والعاطفة، كذلك للصداقة والزمالة حقهما من الوشائج التي تشد الناس إلى بعضهم البعض. ولهذا مثلما كان الأمير أحمد بن عبد العزيز شديد الاهتمام بصحة أخيه الأمير سطام وتفقده وحرصه على زيارته أيام مرضه، ظل إلى جانبه منذ إعلان الوفاة، فودع معه بضعة عزيزة من قلبه الذي يحمل للراحل مكانة خاصة. وعلي كل حال، وفاء أحمد بن عبدالعزيز ليس حالة طارئة، بل صفة أصيلة تعد إحدى صفات خلقه النبيل، وسوف يظل منظر اللوعة والدموع التي انهالت غزيرة كما المطر يوم رحيل شقيقه الكبير نايف بن عبد العزيز –رحمه الله- أصدق تعبير عن وفائه وحبه لإخوانه وأهله وعشيرته والناس أجمعين.. فمنه نحاول جاهدين أن نستلهم كل المعاني التي تعزز قيم التعاضد والتكافل الاجتماعي وترسيخ شعار الجسد الواحد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والحقيقة، لم يقتصر إخاء أحمد بن عبد العزيز لإخوته فحسب، بل شمل سائر مواطنيه، وكلنا شهود على دوره في دعم حركة المجتمع وحل مشاكل الناس، وحرصه على مساعدة المحتاجين، لاسيما العجزة والأرامل واليتامى وأصحاب الحالات الخاصة الذين أقعدتهم ظروفهم عن العمل. لا أقول هذا من فراغ فأنا أحد شهود مجلسه العامر الذي يؤمه كل فئات المجتمع، الذين تربطهم بأحمد بن عبد العزيز إخوة الدين والوطن، فما خاب قاصده أبدا. أما ولاء هذا الرجل الكبير والرمز الوفي الحكيم الحصيف، لدينه ووطنه ومليكه وإخوته في العقيدة والعروبة، فهي حكاية أقرب إلى الخيال من الحقيقة، تعجز عن وصفها حتى العصبة من الكُتاب والأدباء والشعراء، ولهذا أعترف بداية أن جهدي المتواضع هنا، لايعد أن يكون مجرد إشارة عابرة ولمحة سريعة. فمثلما أنه صاحب قلب كبير يفيض بالعطف والشفقة والرأفة، كما اتضح من نشاطه خلال عقود في كل ما نظمته بلادنا من جهود لإغاثة الناس في كل بقاع الدنيا، ودعم إخوته في العقيدة والعروبة من أجل قضاياهم العادلة، مثلما هو كذلك، نجده حاسماً لا يقبل في الحق لومة لائم، ولا يفرط أبداً في عقيدته التي يؤكد للجميع دوماً أنها مصدر عزة وميدان جهاد وسبب توفيق هذه البلاد وقادتها ورخاء أهلها واستقرارهم وأمنهم وأمانهم. فلله درك يا أبا عبد العزيز على وفائك المخلص الصادق لإخوانك ووطنك، ورحم الله فقيد الأمة سطام بن عبد العزيز، وجعل البركة في ذريته، وحفظ قادتنا وبلادنا من كل سوء ومكروه... إنا لله وإنا إليه راجعون. عبد الله بن صالح بن هران آل سالم - الرياض