لا أذكر بأنني استمتعت بقصيدة أو نص أدبي أو مقطوعة نثرية في أحد الكتب المدرسية، عدا في الصفين الأول والثاني الثانوي عندما كنا ندرس نصوصا تراثية من الشعر الجاهلي والأموي والعباسي. وما كنت شخصيا سأستمتع بهذه النصوص وتطرب لها ذائقتي دون التدريب الباكر الذي حظيت به، عندما كنت أسمعها من فم الوالد إلقاء وشعرا واستشهادا وترنما، فتجربة بواكير الطفولة بين القصائد والأبيات هي التي دلتني على الدرب العسجدية للشعر. الذائقة الجمالية تصقل وتنحت عبر المران والممارسة من مراحل باكرة من عمر الأجيال، حتى لا يأتي وقت لاحق نفتح فيه (حسينيات ومجالس لطم) على حال اللغة العربية وتدهورها لدى الناشئة. لكن يبدو أن واضعي مناهج اللغة العربية لا يبالون كثيرا بتأسيس حساسية استقبال جمالية مرتفعة في استقبال اللغة والتمتع بجماليتها، ولا يوجد موضوع الارتقاء بالذائقة على قائمة أهدافهم. على سبيل المثال في كتاب (لغتي الجميلة) للصف الخامس الابتدائي (التي عجز واضعو المنهج أن يجعلوها جميلة) اختار المؤلفون مجموعة من الأناشيد التي يغلب عليها الركاكة واللغة السطحية المباشرة والمستهلكة، فغدت محض قصائد مدرسية خالية من التوهج الشعري والبياني. المفارقة هنا رغم أن القصائد وطنية وتتحدث عن الوطن كقيمة كبرى لكن لا يوجد شاعر سعودي واحد بين الناظمين، وكأنهم مغيبون عن كوكبة الشعراء السعوديين في تاريخنا الأدبي ابتداءً من عبدالله بن خميس وصولا إلى محمد الثبيتي. وإليكم نماذج من اختياراتهم.. فالقصيدة الأولي هي: بلادي بلادي فداك دمي وهبت حياتي لك فاسلمي غرامك أول ما في الفؤاد ونجواك آخر ما في فمي وهي النشيد الوطني المصري عام 1936 أي زمن الملكية، وقبل الثورة (لاحظوا أثر الإخوان المتجذر في تأليف مناهجنا)، طبعا لم يشر كتاب المنهج إلى مصدر القصيدة أو الشاعر ولقد أمضيت وقتا طويلا في البحث عن مصادرها، مع أنه من الواجب منذ مراحل مبكرة تدريب الطلاب على التوثيق وإبراز المصادر، لكن يبدو أن الأمر يدخل ضمن فوضى تأليف المناهج. القصيدة الثانية هي: أرضي هنا وطني وملاعبي الحلوة أمي هنا وأبي والأهل والإخوة وهي مستجلبة من كاسيت أناشيد إسلامية للمؤلف السوري سليم عبدالقادر، وأترك لكم الحكم على جماليات القصيدة من مطلعها الباهت. القصيدة الثالثة هي: وطني نشأت بأرضه ودرجت تحت سمائه ومنحت صدري قوة بنسيمه وهوائه لأحمد ممتاز، طبيب في إدارة الصحة المدرسية في مصر (كما يذكر معجم البابطين للشعراء العرب). سأكتفي بهذه النماذج الثلاثة التي تدرس لطلابنا وطالباتنا في الصف الخامس الابتدائي (في مرحلة تفتق الوعي الجمالي داخلهم) لنصبح على يقين بأن المناهج ما برحت معتقلة بالمحتوى الذي وضع منذ بواكير تأليف المناهج السعودية، ما برحت مغيبة للانتاج الأدبي الوطني، وما برحت عاجزة عن اختيار نصوص جميلة ذات طاقات شعرية خلاقة تدرب الذائقة الجمالية وترقى بالذوق. وبعد هذا كله نتذمر من ركاكة أسلوب الطلبة، وغياب الذوق اللغوي عنه، وهروبهم للشعر الشعبي أو الإنجليزي.. كل عام ومناهجنا بخير.