توقفتْ معظم أمور الحياة لديه.. اختصرها فيما يشبه الاعتزال.. لم يكن الوقت مناسباً لهذا التوقف.. ولم تكن امكاناته الكثيرة تستطيع أن تدفعه بعيداً عن هذا التوقف.. قرر أن يبتعد دون أن يُطلب منه.. قرر أن يخرج دون أن يُبلّغ أن الأبواب ستغلق إلى الأبد إن هو لم يغادر.. استبعد كل شيء في محاولة منه لمواءمة حل فردي يرضيه ويحميه لا يعرف ممن؟ لكن كان هو الحل الأوحد.. لم يفكر كثيراً.. ولم تتقطع أنفاسه من الركض في اتجاه المعلوم.. لكنه في كل الحالات ركض وحاول.. وامتدت آماله إلى الأفق.. وصافح ذاته بتبجيل.. واندفع أحياناً نحوها بجنون.. كان ذلك والأبواب والنوافذ تدفع إليه الهواء بقوة.. وتنتظر استطلاعاً نتائجهُ تبدأ منه لتمديد صلاحية هذا الهواء وقيمته.. فجأة توقف.. لم يستنفد القرار طاقاته.. ولم يفكر فيه كثيراً.. ولا تعامل معه بحسابات الدفع، والاستلام.. لأن الدخول في ذلك ذاب في حسابات التعقيد.. وتكبّل بمسافات طريق طويلة لن يصل معها إلى الحسم السريع.. اجتاحته عاصفة التوقف.. ولا يعرف إن كان قد ابتهج لها.. أم تعامل معها برغبة فقط تمنحه الإحساس بالتعايش.. اختار ساعة القرار... امتلك الجرأة لاتخاذه.. طوى قيد الأيام الماضية واجتاز حصادها.. فتح حساباته لنقاط ربما لن يكسب نقطة واحدة منها.. ظل زمناً طويلاً تحت خيمة أحلامه الممتدة.. والتي شكلت تفاصيل حياته.. وفجأة قرر التوقف عن الأحلام.. وإطفاء أضوائها دون أن يذكر المسببات لهؤلاء الذين يصرون على شرح أسباب انسحابه.. وأنه كان يمكن له أن ينحني أمام العواصف إن أراد.. ولا يغلّف أزماته ويغلق الأبواب عليها وقد يضيفون له أهمية تصفية حساباته إن أراد.. وعليه أن يسعى إلى التعويض لا إلى الهروب.. وإغلاق كل صفحاته المفتوحة.. استمع بشكل جيد.. لكن بإحساس الاستماع المتبخر.. أصر على الإبحار باتجاه التوقف.. أغلب ظنه أنه هو الوحيد القادر على ممارسته والاتجاه إليه.. واجه خياراته.. ولم يستلب شيئاً من حقيقته.. ولم تغره تلك المتاهات التي غاب داخلها.. خياره للتوقف هو الصفحة الأولى المتاحة أمامه الآن وعليه أن يقرأها بعمق.. ولا يخترع تفسيرات مختلفة لفهمها.. لم يكن مبالغاً عندما شعر أن ما يملكه فقط هو خيار واحد، وهو الذي اعتاد على تعدد الخيارات.. خيار واحد ربما يبدو هشاً للآخرين ويمنحه إحساس الإقصاء.. والبعد عن الضمانات المتاحة.. والتداول المعتاد لمفردات الحياة بين الحضور، والغياب.. والاستمرارية.. والتوقف.. اكتفى بخياره الوحيد.. لم يكن احتجاجاً على ما يجري، أو حروباً من مسار يغلي بحثاً عن الهدوء.. لكنه كان احتياجاً إنسانياً.. يتجاوز حدود مفهوم اللغة.. ومعطياتها المحدودة.. ويفرض حقيقة على الأرض وهي رغبته في التغيير وهو جزء مهم من كيانه..