هناك عدد من اضطرابات النوم التي لا تظهر إلا في مرحلة الأحلام فقط وتعرف بالباراسومنيا خلال الأحلام أو اضطرابات النوم المصاحبة للأحلام. وتسبب هذه الاضطرابات حيرة كبيرة للمصاب وأهله الذين قد يشتبهون في وجود مس من الجان، وكذلك حيرة لبعض الأطباء غير المختصين في طب النوم. والواقع أن هناك تفسيرا علميا واضحا لهذه الاضطرابات واستجابة جيدة للعلاج. من الناحية العلمية تحدث خلال الأحلام تغيرات فيزيولوجية كثيرة تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى. ونحن كأطباء نهتم بالناحية الفيزيولوجية والمرضية في موضوع النوم والأحلام بالذات ولا نتطرق للنواحي الروحية والغيبية وتفسير الأحلام. ففي مرحلة الأحلام تحدث بعض الاضطرابات وتختفي في مراحل النوم الأخرى مثل شلل النوم والنوم القهري، وهناك اضطراب آخر يعرف بالاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام. وقبل الحديث عن هذا الاضطراب وحتى نفهم آلية حدوثه لا بد أن نتعرض وباختصار للتغيرات التي تحدث خلال الأحلام. ماهي التغيرات التي تحدث خلال الأحلام؟ الأحلام مرحلة أساسية من مراحل النوم، ومن المعلوم طبياً أن نشاط المخ خلال مرحلة حركة العينين السريعة التي تحدث فيها أكثر الأحلام يكون أعلى من نشاطه خلال الاستيقاظ، ويقضي الإنسان البالغ من 15 إلى 25 في المئة من نومه في هذه المرحلة. ويمر النائم خلال فترة النوم المعتادة (8 ساعات) بأربع إلى ست دورات من النوم يمر خلالها بمختلف مراحل النوم؛ حيث يبدأ بالمرحلة الأولى ثم الثانية وبعد ذلك النوم العميق (الثالثة والرابعة) حتى يصل إلى مرحلة الأحلام. وقد خلق الله سبحانه وتعالى آلية تعمل لتحمينا من تنفيذ أحلامنا؛ تدعى هذه الآلية (ارتخاء العضلات). وارتخاء العضلات يعني أن جميع عضلات الجسم تكون مشلولة خلال مرحلة الأحلام ما عدا عضلة الحجاب الحاجز حتى يستطيع النائم أن يتنفس وأن يحافظ على مستوى الأكسجين طبيعيًا في الدم. فحتى لو كان حلم النائم مليئًا بالعمل والحركة فإن آلية ارتخاء العضلات تضمن له بقاءه في سريره ولا يشعر من يوجد بجوار الذي يحلم بأنه قد يكون في حلم كثير الحركة. وتنتهي هذه الآلية بمجرد انتقال النائم إلى مرحلة أخرى من مراحل النوم أو استيقاظه من النوم. ويتحكم في انضباط عمل هذه الآلية نظام عصبي معقد عن طريق نواقل عصبية في المخ والحبل الشوكي. إلا أنه وفي بعض الحالات لا تعمل آلية الحماية هذه بالصورة المطلوبة بسبب بعض الأمراض العصبية التي تصيب الجهاز العصبي المركزي أو نتيجة لاستخدام بعض الأدوية. والاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام يختلف عن المشي أثناء النوم والذي يحدث خلال النوم العميق ويصيب الأطفال بصورة أكبر. ففي حين يعتبر المشي أثناء النوم اضطرابا حميدا، يكون الاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام عادة مصاحبا لبعض الأمراض العصبية. وتم التعرف على الاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام حديثاً حيث تم تشخيص أول حالة عام 1986. والخلل الواضح في هذا الاضطراب هو غياب آلية شلل العضلات مما ينتج عنه حركة الأطراف. أعراض الاضطراب: ينفِّذ النائم الحركات التي يقوم بها في حلمه وهو نائم، فمثلا قد يقوم النائم بالركل والضرب أو القفز المفاجئ من السرير أو الحديث والصراخ، وإضافة إلى تأثيره على جودة النوم، فإن الاضطراب قد ينتج عنه إصابات خطيرة للنائم أو لمن يشاركه السرير (في العادة الزوجة) لأن هذا الاضطراب يصيب الرجال أكثر من النساء. في الحالات الخفيفة قد تقتصر حركة النائم على بعض الحركات الخفيفة في الأطراف، أما في الحالات الشديدة فإنها قد تسبب حركات عنيفة قد تؤذي المريض أو الذي يشاركه السرير. وتتفاوت الإصابات من الكدمات البسيطة والنزيف البسيط إلى الجروح الغائرة والكسور المضاعفة أو إصابات الدماغ والنزيف الدماغي، وقد تم الاشتباه الجنائي في بعض الحالات بسبب شدة إصابة من يشارك المريض في السرير (عادة الزوجة). فيما عدا ذلك فإن تخطيط النوم يكون طبيعيًا في العادة. وفي العادة يتذكر المريض تفاصيل الحلم حال إيقاظه من حالة الهيجان ويستعيد إدراكه مباشرة بعكس المصابين باضطراب المشي أثناء النوم أو اضطراب رعب النوم أو الصرع التي لا يتذكر المريض في العادة ما حدث ولا يستعيد إدراكه مباشرة حال إيقاظه. ما مدى شيوع هذا الاضطراب بين العامة؟ هذا الاضطراب نادر نسبيًا رغم أننا نرى بعض الحالات في مركز اضطرابات النوم، وقد يكون السبب أن المرضى لا يحصلون على التشخيص الصحيح الذي يساعد في سرعة تحويلهم إلى مركز اضطرابات النوم. فقد أظهرت الدراسات أن هذا الاضطراب يصيب 0.5 في المئة من الناس بين عمر 15 و100 سنة وكان معدل عمر المصابين 60 سنة. ما هي الأمراض التي تزيد فرص الإصابة بهذا الاضطراب؟ يصيب هذا الاضطراب عادة كبار السن، الرجال أكثر من النساء ويظهر أكثر عند المصابين بالأمراض العصبية المركزية التنكسية مثل مرض الباركنسون (الشلل الرعاش) والخرف أو بعد جلطات الدماغ أو إصابات الرأس الشديدة. كما أن بعض الأدوية النفسية وبعض مضادات الاكتئاب قد تسبب المشكلة، وكذلك قد تظهر الأعراض عند المدمنين على الكحول عند توقفهم المفاجئ عن الكحول. كما أن المشكلة قد تظهر عند المصابين بالنوم القهري كون كلتا المشكلتين تحدثان خلال مرحلة الأحلام. وفي حال ظهر الاضطراب عند من هم دون الخمسين سنة، فقد يكون السبب النوم القهري الذي يصيب الشباب عادة أو تناول بعض الأدوية النفسية التي قد تظهر هذا الاضطراب. كما قد تسبب ذلك بعض الأمراض المناعية. كما أن الذين يصابون بهذا الاضطراب في سن صغيرة هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العصبية التنكسية في سن لاحق مثل مرض الشلل الرعاش. ففي دراسة حديثة قام بها باحثون في جامعة منيسوتا ونشرت هذا الشهر (فبراير 2013) في مجلة طب النوم، تابع الباحثون 26 مصابا بالاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام ممن كانت أعمارهم أقل من 50 سنة ولم يكونوا يعانون من أمراض عصبية تنكسية؛ تابعوهم لمدة 16 سنة وأظهرت النتائج أن 81% من المصابين ظهرت لديهم مظاهر الأمراض العصبية التنكسية مثل الشلل الرعاش مما يعني أن الاضطراب السلوكي والحركي أثناء الأحلام قد يسبق ظهور الأمراض العصبية التنكسية بعدة سنوات. لذلك لا بد من متابعة المصابين بهذا الاضطراب متابعة دقيقة بعد تشخيص الحالة لعلاج أي مرض عصبي قد تظهر أعراضه في وقت مبكر. ما هي طرق التشخيص والعلاج؟ ولتشخيص هذا المرض يتم في البداية أخذ معلومات مفصلة ووصف دقيق لما يحدث للمريض ويفضل أخذ الوصف من الذي يشارك المريض غرفة النوم. بعد ذلك، يتم إجراء دراسة ليلية للنوم مع مراقبة المريض بالفيديو طوال الدراسة لاستبعاد الاضطرابات التي قد تشابه المشكلة مثل الصرع أو المشي أثناء لنوم. ويستجيب المرضى في العادة للعلاج الطبي بأحد العقاقير التي تستخدم لهذه المشكلة، وتكون الاستجابة في العادة جيدة وسريعة. ففي دراسة حديثة قام بها باحثون في كلية الطب بجامعة مايو كلينيك ونشرت هذا الشهر (فبراير 2013)، وجد الباحثون استجابة جيدة للعقاقير الطبية وخاصة عقار الميلاتونين وعقار الكلونازيبام.كما يُنصح المرضى بعدم إجهاد أنفسهم قبل النوم وإبعاد المواد الحادة من غرفة النوم وعدم النوم على أسرّة مرتفعة. كما يُنصح من يشارك المريض السرير أو الغرفة بأخذ الحيطة حتى يتم العلاج. ويزداد عند المصابين بالأمراض العصبية المركزية التنكسية يزداد عند كبار السن