عندما توفيت والدتي - رحمها الله - منذ ما يقارب الثمانية أعوام، كانت الصدمة كبيرة على جميع من حولها من الأبناء والأقارب والجيران والأصدقاء، ومع تسليمهم بقضاء الله وقدره، إلا أن هناك مخاوف من فقدان التواصل والمحبة والعطف والدعاء وبذل الخير للغير، وهذه كلها تركة خلفتها تلك الإنسانة الصادقة مع ربها، ومن ثم مع نفسها ومع من حولها، فاستثمرت في مجال التعامل الإنساني الدنيوي لتحقيق مكاسب آخروية، وهذا ما زاد في تعقيد إيجاد حلول للنقص والفجوة المتوقعين الذين ستخلفهما والدتي بعد رحيلها. وبعد فترة وجيزة وجدنا أنفسنا مرة أخرى نعيش في تلك الأجواء السابقة، وبنفس الروح، والإخاء والمحبة والعطاء.. نعم جاءت أختي (أم فهد) مكملة لذلك الدور الذي تقوم به والدتي، ليس على المستوى العائلي فحسب، بل تجاوز ليطرق مساحات أكبر لتشمل الأصدقاء والجيران وكل من حولنا، فعلمتنا كيف تجعل من محبة الله لك نعمة وغاية، ومخافة الله نبراساً ونهجاً للحياة، وكيف تستطيع دخول قلوب الآخرين من دون تكلف، لقد علمتنا كيف تصنع من الضعف قوة، ومن إسعاد غيرك راحة لنفسك، ومن التضحية علواً ورفعة، وفسرت لنا معاني كثيرة، وما ينبغي لنا أن نهتم به في الدنيا كزاد للآخرة. نعم، جاءت أختي الجوهرة لتضيء كل ما هو مظلم، وتصل كل ما هو مقطوع، وتسهل كل ما هو صعب، وتسعد نفسها بإسعاد الآخرين، فأرجعت هذه الإنسانة الجزء الكبير من أنماط الحياة الإيجابية، التي كنا نستقيها من والدتنا حتى أكملت هذه الأخت الأم المسيرة بكل اتقان وتميز وعطاء متدفق، حتى جاء أمر الله وتوفاها الموت في يوم الخميس الماضي، في حادث سير خطفها ممن حولها، ليعلن بذلك وفاة الأم للمرة الثانية، فحزن عليها من حزن، ودعا لها من دعا، وتصدق عنها من تصدق، وإن جاءت كل هذه التصرفات كمخرجات من منهجها ودروسها التي خلفتها. أسأل الله العلي القدير أن يرحمك يا أختي وجميع موتى المسلمين، ويغفر لك، ويجعل كل ما قدمتيه لنا، والمواقف المأثورة التي ذكرها بعضهم عنك في مجلس العزاء، رفعة لمنزلتك في الجنة، وأن يجمعنا بك في دار الميعاد، ويسبغ على قلوب من عرفك الصبر والسلوان، وأن يجبر مصيبتنا جميعاً، فلله الحمد والشكر على ما كتب وقضى. (إنا لله وإنا إليه راجعون).. * الجبيل الصناعية