تأسس حزب الأخوان المسلمين داخل جنازة الخلافة العثمانية، وبرعم كفرع صغير يقاوم احتضار الشجرة الأم الكبرى وبالتالي أصبحت أبرز الأسس الفلسفية التي يقوم عليها الحزب هي إحياء الخلافة ومقاومة الدولة القطرية. لذا استغرب حين يتوقع البعض من الحزب نفسه أن يشرع في ممارسة مدنية دستورية داخل دولة قطرية كمصر، تحلم ثورتها بشروط الدولة المدنية الدستورية الحديثة، حزب الأخوان لايمتلك هذا الأمور في أدبياته أو بنوده التأسيسية، فعدا بضعة من الشعارات العاطفية الدينية التي تستميل المجاميع في الحملات الانتخابية وتستهدف عاطفتهم الدينية وعطشهم الدائم إلى العدالة الاجتماعية، لاسيما مع ركام إرث قرون من حكم الاستبداد، لايوجد هناك خطط تطبيقية على أرض الواقع، بل قد تصبح شعارات الأخوان المسلمين سراباً بقيعة لتلك الشعوب الغرقى بين أمواج متلاطمة من التخلف والفساد وغياب النهضة التنموية الفاعلة. لذا من يعتقد أن حزب الأخوان لديه في أجندته تصور واضح ومخطط منجز عن الدولة الحديثة في جانبها السياسي والاقتصادي، دولة الأحزاب والمعارضة وتداول السلطة.. فهو يعاني حتما من قصور في قراءة التاريخ. و مايجري في مصر الآن هو ضد كل القيم الإنسانية والمبادئ الكبرى التي قامت عليها ثورتهم، وإن كان الرئيس المصري مرسي أثناء حملته الانتخابية قد اقتفى أثر الرئاسة الأمريكية ولوّح بحلول لجميع المشاكل في مصر خلال 100 يوم، لكن هذا لايعني أن أخطاء إدارية عمرها عقود من ركام أزمات التعليم والصحة الازدحام والنفايات والاختناقات الاقتصادية التي يعاني منها غالبية المصريين ستحل ككرامة خارقة سيقوم بها الولي. الآن حتى المعارضة نفسها تعي هذا، والمزايدات التي تقوم بها مع بعض من طبقة الكتاب والانتلجنسيا في مصر ضد الرئيس مرسي ماهي إلا ورقة سياسية للضغط على جماعة الأخوان، كل هذا على حساب مصر ومؤسساتها الدستورية الوليدة الهشة. فيقول مثلا الكاتب المصري مأمون فندي في مقاله الأسبوع الماضي بجريدة الشرق الأوسط إن نتائج الصناديق لاتمنح مرسي شرعيته وأن فشله يتطلب انتخابات مبكرة، أيضا د.محمد جامع في جريدة الدستور المصرية يقول إن نزاهة الانتخابات لاتمنع تنحي الرئيس مرسي عن الحكم كما تنازل الرئيس نيكسون عنه عندما عبث بالدستور الأمريكي. ووسط كل هذه الفوضي والانهيار المؤسساتي في مصر، هاهي تعود إلى أيدي الجيش من جديد، كما عادت (فرنسا) لأيدي نابليون بعد الثورة الفرنسية وشلالات من الدم.. ودوما الثورات لها أثمانها الغالية. الطريف في هذا كله هو تأمل وتتبع جماعة (الطابور الخامس) من الأخوان السعوديين الذين أشرعوا صدورهم وأقلامهم لنصرة حزب (المرشد) في مصر إما عن طريق الخطب المنبرية أو الإعلام أوشبكات التواصل، أوحتى عبر إعطاء نصائح واقتراحات خطط اقتصادية لإنقاذ الاقتصاد المصري، مع توزيع قوائم منتجات مصرية ليتم ابتياعها ودعم اقتصاد مصر المنهار.. وهم هنا يثبتون نجاح الأخوان على مدى خمسين عاما ليس في اختراقنا فكريا عبر المناهج والتعليم والحلقات وحسب، بل في استقطاب الأتباع والمريدين والمناصرين ولكن مع الأسف لم يفلحوا في إدارة دولة قطرية كبرى.. كمصر. جماعة الأخوان قد تفلح كجماعة سرية مناضلة بشعارات وأحلام كبرى تغري البسطاء والحالمين، ولكن عند قفزهم إلى كرسي الحكم ووصولهم للمحكات الحقيقية في إدارة الدولة.. انقشع الضباب وتبددت الأحلام.