عقد في العاصمة القطرية الدوحة مؤتمر الأممالمتحدة الثامن عشر للمناخ، الذي اعتمد جدولاً مطولاً من جلسات العمل، امتدت بين 26 تشرين الثاني نوفمبر و7 كانون الأول ديسمبر من العام 2012. وقد عقد المؤتمر بمشاركة 194 دولة، وحضور أكثر من 120 وزيراً للخارجية والبيئة والطاقة، مع عدد من رؤساء الدول ونواب الرؤساء، إضافة إلى حوالي سبعة آلاف ممثل لمنظمات غير حكومية ومؤسسات دولية معنية بقضايا المناخ والبيئة. وبتغطية نحو 1500 صحفي ونحو 100 محطة تلفزيونية. وهدف المؤتمر إلى تحقيق تقدم في المفاوضات الخاصة بوقف الارتفاع المتزايد لدرجة حرارة الأرض، وإطلاق المرحلة الثانية لبروتوكول كيوتو، قبل نهاية العام 2012، حين تنتهي مرحلته الأولى. وكان قد جرى الاتفاق في مؤتمر ديربان عام 2011 على تمديد البروتوكول حتى العام 2017. وأبرم البروتوكول في اليابان في كانون الأول ديسمبر 1997 بهدف الحد من الغازات الدفيئة، المسببة للاحتباس الحراري، ودخل حيز التنفيذ في شباط فبراير 2005، وهو يفرض على الدول الغنية، باستثناء الولاياتالمتحدة التي لم توقع عليه، خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون. ولقد بات بروتوكول كيوتو اليوم أضعف مما كان عليه، وذلك بعد أن انسحبت منه كل من كنداواليابان وروسيا. وتطالب الدول المتقدمة البلدان المسؤولة عن مستويات كبيرة من الغازات الدفيئة، ومن بينها الصين والهند، بخفض المستويات التي بلغتها، في حين تدعو الأقطار النامية لمنحها مزيد من المساعدات المالية والتقنية، لتمكينها من السيطرة على الأزمات ذات المنشأ المناخي. وفي إطار المقاربات السائدة، قالت الأممالمتحدة إن جهود المجتمع الدولي للحد من ارتفاع حرارة سطح الكرة الأرضية بدرجتين مئويتين، تبدو متأخرة كثيراً، وبعيدة عن بلوغ غاياتها. ومستوى الدرجتين المئويتين هو العتبة التي يعني تجاوزها إصابة النظام المناخي بمخاطر خارجة عن السيطرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحديث لا يدور الآن عن ارتفاع بدرجتين بل بأربع درجات. وهذا تحديداً ما توقعه تقرير علمي جديد، جرى تمويله من قبل البنك الدولي، الذي طالب دول العالم بالاستثمار في البنية التحتية، القادرة على تحمل درجات الحرارة القصوى، والصدمات المناخية المختلفة، بما في ذلك الفيضانات والسيول، الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر أو هطول أمطار غزيرة غير متوقعة. يقول رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم: إن العالم الذي ترتفع فيه درجة الحرارة بأربع درجات مئوية، من المتوقع أن يكون عالما تواجه فيه المجتمعات، والمدن والبلدان، اضطرابات شديدة ودمار وتفكك. ومن المتوقع أيضاً أن يعاني الفقراء أشد المعاناة، وأن يصبح المجتمع الدولي أكثر تمزقاً وظلماً عما هو عليه الآن. ويعتبر شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي الشهر ال333 على التوالي الذي تسجل فيه درجات الحرارة العالمية مستويات أعلى من المعدل الوسطي للقرن العشرين. وشهدت بريطانيا هذا العام فصل الصيف الأكثر أمطاراً، والربيع الأكثر جفافاً في تاريخها. أما نيجيريا والصين ومعظم مناطق الهند وأستراليا فضربتها أسوأ فيضانات منذ عقود. وفي أيلول سبتمبر الماضي تقلص جليد البحر القطبي الشمالي بنسبة تقل 50٪ عن متوسط أعوام 1979 - 2000. ومن جهة أخرى، أثرت موجة الجفاف التي شهدتها الولاياتالمتحدة عام 2012 على نحو 80% من الأراضي الزراعية، مما جعلها أشد موجة جفاف منذ الخمسينيات، مسجلة بذلك درجات حرارة غير مسبوقة. كذلك، تعتبر العاصفة "ساندي" التي ضربت الساحل الشرقي للولايات المتحدة في أواخر تشرين الأول أكتوبر الماضي أكبر عاصفة تشهدها الولاياتالمتحدة على مدى أجيال. وإذا حدث وارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار أربع درجات، على النحو الذي توقعته دراسة البنك الدولي، فسيشهد العالم نوعاً جديداً من موجات الحر لم يعرف لها الناس مثيلاً من ذي قبل. كذلك، سيؤدي ارتفاع الحرارة بأربع درجات إلى تراجع مخزونات الغذاء العالمية، وارتفاع منسوب مياه البحر. وفي دراسة مشتركة، قال معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ، ومؤسسة تحليلات المناخ، أن "الدليل العلمي الحالي يشير إلى أنه حتى مع الالتزامات الحالية والتعهدات التي نفذت بالكامل، هناك احتمال نسبته 20% تقريباً في تجاوز الأربع درجات مئوية بحلول العام 2100، واحتمال 10% في تجاوز الأربع درجات مئوية بحلول عام 2070. ويرى باحثو الدراسات البيئية أنه حتى في حال ارتفاع حرارة سطح الأرض بمقدار درجتين فقط، فإن النتائج تبقى أيضاً كارثية، إذ سيحدث الإجهاد المائي في البلدان القاحلة وشبه القاحلة، وتحدث المزيد من الفيضانات في المناطق الساحلية المنخفضة، وتتآكل السواحل في الدول الجزرية الصغيرة، ويُقضى على ما يقرب 30% من الأنواع النباتية والحيوانية. ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة، بوجه عام، إلى ذوبان المزيد من الجليد على الأرض وزيادة مياه المحيطات. وقد تكون المناطق الساحلية التي تضم العديد من المدن الرئيسية، مهددة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. وأكثر المدن عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر موجودة في دول مثل موزمبيق ومدغشقر والمكسيك وفنزويلا والهند وبنغلاديش واندونيسيا والفلبين وفيتنام. تقول رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة، التي ترأس "منتدى المناخ الهش": إن تداعيات التغير المناخي ستكون كارثية على بلادها. وإن زيادة بمعدل درجة مئوية واحدة في الحرارة ستؤدي إلى خسارة بنسبة 10% في الإنتاج الزراعي للبلاد. وذلك "يعني بالنسبة إلينا خسارة أكثر من أربعة ملايين طن من الحبوب، وهو ما يوازي 2.5 مليار دولار". ارتفاع الحرارة يؤدي إلى تراجع مخزونات الغذاء العالمية وارتفاع منسوب مياه البحر واضطرابات شديدة ودمار وفي إطار تداعيات الغازات الدفيئة ذاتها، يتوقع حدوث زيادة قدرها 6 درجات مئوية في متوسط درجات الحرارة الصيفية، في كل من منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من الولاياتالمتحدة، اتساقاً مع الارتفاع العام لحرارة سطح الكرة الأرضية. وتنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يقل عن 5% من الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أن زيادة الانبعاثات ارتفعت في هذه المنطقة بمعدل يزيد ثلاث مرات عن المتوسط العالمي خلال الفترة بين عامي 1990 -2000. ويُقدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) أن درجات الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سترتفع بنحو درجتين مئويتين في غضون ال15 أو 20 سنة القادمة، لتزيد أكثر من أربع درجات (وليس ست كما تتنبأ دراسات مستقبلية) بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. وسيكون من آثار ذلك انخفاض نسبة هطول الأمطار بنحو 20% بحلول نهاية القرن. وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة المتوقع إلى تفاقم مستوى التصحر المرتفع أصلاً في المنطقة، الأمر الذي سيزيد من نقص الأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية. وفي الأصل، تُعرف المنطقة بأعلى مستويات شح المياه مقارنةً مع أي مكان آخر في العالم. لذلك فإن أي انخفاض في المياه الجوفية من شأنه أن يفاقم الضغوط الواقعة على النظام البيئي. وقد تتعرّض المنطقة لارتفاع يتخطى المتوسط المعروف في مستويات سطح البحر، بسبب ذوبان القمم الجليدية. وسيتأثر حوالي ثلاثة في المئة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مباشرةً بارتفاع متر واحد في منسوب مياه البحر. كما أن ارتفاعاً بنسبة نصف متر قد يؤدي إلى نزوح حوالي 3.8 مليون شخص في دلتا النيل في مصر. وقد تشهد المنطقة المزيد من الظروف الجوية المتطرفة، مثل إعصار جونو، الذي ضرب بحر العرب عام 2007، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً في سلطنة عُمان. وألحق أضراراً عامة قدرت بحوالي 4.2 مليار دولار. وكان ذلك أقوى إعصار يُسجَل على الإطلاق في بحر العرب. البنك الدولي يطالب دول العالم بالاستثمار في البنية التحتية القادرة على تحمل درجات الحرارة القصوى والصدمات المناخية وقد يضع تكرار الجفاف والفيضانات والحرارة المرتفعة الزراعة الإقليمية أمام العديد من التحديات، في أحد أكثر مناطق العالم جفافاً. وتشير التقديرات الدولية إلى أنه سيكون بنهاية القرن الحالي ما بين 43% إلى 50% من سكان العالم يعيشون في بلدان تعاني من ندرة المياه، مقارنة بنسبة 28% في الوقت الحالي. وستواجه دول المنطقة الاستوائية في أميركا الجنوبية ووسط أفريقيا، وجميع الجزر الاستوائية في المحيط الهادئ، درجات حرارة شديدة غير مسبوقة، بحيث تصبح تلك الدرجات هي المعدل المعتاد في جميع شهور السنة. وفي إطار التداعيات ذاتها، قال تقرير علمي في أيلول سبتمبر 2012، إن استمرار مشكلة التغيّر المناخي سيؤدي بحلول العام 2030 إلى وفاة أكثر من مئة مليون شخص، وانخفاض الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 3.2%. وقال التقرير ان خمسة ملايين شخص يموتون سنوياً بسبب تلوث الهواء والجوع والأمراض، الناجمة عن تغير المناخ. وإن الرقم سيرتفع على الأرجح إلى ستة ملايين بحلول العام 2030. وإن أكثر من 90% من هؤلاء الضحايا يرجح أن يكونوا في الدول النامية. ودرس هذا التقرير أثر تغير المناخ على الإنسان والاقتصاد في 184 دولة عام 2010 وعام 2030. وأنجز بتكليف من "منتدى المناخ الهش"، الذي يضم في عضويته 20 دولة نامية يهددها تغير المناخ. وفي المجمل، هناك مروحة واسعة من التداعيات البشرية والمادية الخطيرة للتغيّر المناخي، إلا أن لا يوجد حتى الآن تعريف نهائي ومتفق عليه لمصطلح "الخسائر والأضرار" الناجمة عن هذا التغيّر، وتشير هذه العبارة على نحو مجمل إلى مجموعة من الأضرار التي تتكبدها البلدان النامية بسبب آثار التغير المناخي التي لا يمكن تجنبها. ووفقاً للتقارير الدولية المتاحة، فإن البلدان الجزرية الصغيرة، بقيادة تحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS)، يُعد أقوى المؤيدين إلى وضع تعريف قانوني لعبارة الخسائر والأضرار، إذ أن قدرتها على التكيف مع تغيّر المناخ ستكون محدودة عندما تغرق أراضيها نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر. وفي عام 2011، سعت دولة بالاو، الواقعة في المحيط الهادئ، إلى استصدار فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن ما إذا كانت الدول تتحمل مسؤولية قانونية لضمان أن أي أنشطة على أراضيها تنبعث منها الغازات المسببة للاحتباس الحراري لا تضر الدول الأخرى. ويقول الخبراء إنه في حين أن فتاوى محكمة العدل الدولية غير ملزمة، وليست لها أنياب قانونية من الناحية الفنية، فإنها تحظى بأعلى مستوى من الاحترام في المجتمع الدولي. وهي قد زرعت بذور التطور في القانون الدولي في أكثر من مناسبة. وقد جرى مؤخراً تدشين صندوق التكيف، لدعم الدول الضعيفة في مواجهة الآثار الضارة للتغيّر المناخي، ومساعدتها على اتخاذ التدابير الوقائية، سيما تلك المتعلقة بمخاطر الفيضانات والسيول، التي تهدد مدينة محددة، أو مجموعة من المدن والبلدات. وقد تأسس هذا الصندوق بموجب اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لتغير المناخ. ويؤخذ على هذا الصندوق عدم قدرته، حتى الآن، على وضع معايير محددة لمؤشرات الضعف الخاصة بالدولة، بحيث يُمكن استخدامها كأساس لصرف الأموال. وقد تلقى الصندوق 536.7 مليون دولار، من أصل ثلاثة مليارات جرى تحديدها كمبالغ مطلوبة للصرف. وقد ظلت مسؤولية دفع الأموال لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع تغير المناخ نقطة خلاف طويلة الأمد. وتصر البلدان الفقيرة على أن الأموال المخصصة لتمويل برامج تغيّر المناخ يجب أن تكون "جديدة وإضافية" للمساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها الدول الغنية. وقد دفع ذلك لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2010 إلى تطوير نظام إبلاغ يميز مشاريع التكيف عن المساعدات الإنمائية الأخرى. جهود المجتمع الدولي للحد من ارتفاع حرارة سطح الكرة الأرضية متأخرة وبعيدة عن بلوغ غاياتها ويسجل هذا النظام المشاريع على أساس أهدافها، فالمشاريع التي تعتبر التكيف مع تغير المناخ هدفها الرئيسي تحصل على نقطتين، والمشاريع التي تعتبر التكيف هدفاً ثانوياً تحصل على نقطة واحدة فقط. ويقترح عدد من الباحثين بأن يكون لكل بلد فقير آلية تمويل التكيف الشفافة، والخاضعة للمساءلة الخاصة به، التي يُمكن استثمار الأموال فيها. وأن تكون هناك مجموعة من مصادر التمويل الثنائية والمتعددة الأطراف. وفي إطار قضايا العون المالي، الخاص بمواجهة التغيّر المناخي، ظهرت آلية خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD) بعد سنوات من مفاوضات الأممالمتحدة بشأن تغير المناخ. ويجري في إطار هذه الآلية توفير حوافز مالية مقابل الحفاظ على الغابات، وإعطاء قيمة نقدية للكربون الذي تمتصه. وقد توقف تنفيذ هذه الآلية منذ فترة بسبب التساؤلات حول أحكامها وتمويلها. وربما يساعد التقييم الجديد من قبل الاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحرجية، وهو أكبر شبكة من علماء الغابات في العالم، واضعي السياسات على إعادة تشكيل المبادرة. وتشير التقارير الدولية إلى أنه لا يمكن، بحال من الأحوال، أن تنجح الجهود الرامية إلى الحفاظ على الغابات، بغرض الحد من الانبعاثات، دون حماية التنوع البيولوجي ورفاه سكان الغابات أنفسهم. وتعزز هذه الفكرة الحجج التي تسوقها، منذ سنوات، جماعات الضغط الداعية للحفاظ على البيئة. يقول رئيس برنامج عدالة المناخ، ستيفن لينارد: أعتقد أن الحوار قد تحول بشكل كبير للغاية، وخاصة من حيث الاعتراف بأن النهج متعدد الفوائد، أي فوائد الكربون والمجتمع والتنوع البيولوجي، مهم لتحقيق نتيجة على المدى الطويل. إن الأمر يتعلق بكيفية تحقيق وتحفيز ذلك. وتمتص النظم البيئية والمحيط ما نسبته 57% من الكربون المنبعث من النشاط البشري العالمي، في حين تتسبب إزالة الغابات بنحو 12 إلى 20% من مجموع الانبعاثات الدفيئة. وهي تقريباً ذات النسبة التي يتسبب بها قطاع النقل العالمي. وفي الختام، فإن المحافظة على البيئة هي محافظة على الإنسان ومستقبله. وهي مسؤولية يتحملها الجميع، ولا بد من النهوض بها، وتأديتها على أفضل وجه. ارتفاع درجات الحرارة تتسبب في ذوبان الثلوج في القطب الشمالي الحيوانات القطبية مهددة بالانقراض الثروة الحيوانية تتأثر بارتفاع الحرارة والتغير المناخي انبعاثات المصانع ساهمت بشكل كبير في تدمير البيئة