بحّت الأصوات وتقطعت حبالها من كثرة الحديث عن الفساد! البعض يضيق كلما جاءت سيرة الفساد. والإنسان المتلوّث بهذا الداء يعرف نفسه، وربما يقرأ هذه المقالة الآن. الفساد موجود في معظم دول العالم لكن له نسبته، ومن يفسد يسهل اكتشافه، هناك تحقيقات أجريت مع رؤساء دول كانت لديهم بعض المعاملات التي يمكن أن تكون فاسدة مثل جاك شيراك ومثل أولمرت وغيرهما. الجميل بالموضوع أن الفاسد الآن في السعودية يشعر بالطمأنينة لأن الفساد متراكم ومترابط. لا نذهب بعيداً ونظنّ أن الضيق من هذا الداء حكر على المواطنين والناس العاديين فقط، بل إن التأفف منه وصل إلى أمير مسؤول هو أمير منطقة عسير فيصل بن خالد. يقول الأمير فيصل: "لولا وجود الفساد، لما أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. كما أن الفساد الإداري آفة تنهش أجزاء الإدارات الحكومية، وهو ما يجب أن يُحارب من الجميع من الواجب التشهير بالمفسدين، والحدّ من خطرهم على المجتمع"! إذن: ماذا لدى رئيس هيئة مكافحة الفساد ليقوله؟! محمد الشريف رأى أن أكثر ملاحظات موظفي «الهيئة» تتركز في تأخر تنفيذ مشاريع حكومية أو تعثرها، لكنه شدّد على أنه لا يؤيد سحب أي مشروع من المقاولين، كاشفاً عن نية «مكافحة الفساد» التقصي عن التكاليف المرتفعة لبعض المشاريع التي لا تستحق هذه المبالغ. علينا ألا ننسى المواقع الإليكترونية التي كلّفت الملايين، هناك مواقع تابعة لبعض الوزارات كلفت قرابة العشرة ملايين ريال! هذا غير السفريات التي يقوم بها العامل بالموقع بحجة التأسيس. للأسف أن موقعاً لوزارة إسلامية لا يزوره إلا قلة قليلة من الناس تأسس بمبلغ يتجاوز الأربعة ملايين ريال، هذه هي المشكلة أن ما يكلف مئة ألف يصرف عليه عشرة ملايين. كلنا عيال قريّة والكل يعرف أخيّه، لا نكذب على أنفسنا ونقول إن الفساد طارئ أو قليل أو هامشي بل هو متأصل وكثير ومركزي وليس هامشيّاً. بآخر السطر؛ فإن مشكلة الفساد ليست آنيّة، ولعمري أنني أشفق على رئيس هيئة مكافحة الفساد لأنه في موقع حساس وخطير ولا أدري إن كان سيستطيع التأثير على الوزارات والمرافق للحد من أمواج الفساد التي أغرقت الأرض وأهلكت الحرث والنسل.