يحق لهيئة التحقيق والإدعاء العام إطلاق سراح المتهم إلى حين موعد محاكمته، خاصةً في بعض القضايا وليس جميعها، وذلك حسب نظام الإجراءات الجزائية، ولكن الثغرة التي تركها النظام ليست في التطبيق، وإنما في ضرورة «وعي المدعي» أن إطلاق سراح «المدعى عليه» هو مؤقت، ولا يعني انتهاء القضية، أو يكون سبباً لتأخير المحاكمة، حيث ترك هذا الإجراء لأصحاب الحق فرصة للانتقام؛ بحجة عدم الإنصاف وأخذ الحقوق، وذلك راجع إلى فهمهم الخاطئ للنظام، في وقت قد تأخذ بعض القضايا منحى آخر، حيث يحاول المدعي أخذ حقه بيده، بعد أن يُشاهد عدم حضور المتهم إلى جلسات المحكمة، وهو ما يُشعل قلبه قهراً، وهنا لابد أن يعي كل شخص أن النظام كفل له الحقوق عند الحكم، أمّا أخذه حقه بيده فإنه يجعل جريمته أكبر في حق المجتمع، بل ويقود إلى الفوضى وعدم احترام النظام. ويخضع المتهم أثناء مراحل الدعوى الجزائية للعديد من الإجراءات التي تمس حريته، كالقبض والتفتيش والتوقيف وتنفيذ العقوبة، ولمّا كان معرضاً للاتهام بارتكاب بعض الجرائم فقد أجازت الأنظمة استثناء من القاعدة مصادرة الحرية بصفة مؤقتة للمصلحة العامة، وأحياناً لمصحة المتهم، وهم ما يُعرف بالحجز الاحتياطي أو المؤقت، الذي قد تمليه أسباب وظروف تتعلق بمصلحة التحقيق، أو مصلحة العدالة، أو مصلحة المتهم. ويستند بعض المحققين على المادة (120) من نظام الإجراءات الجزائية التي تشير إلى أن للمحقق الذي يتولى القضية في أي وقت سواءً من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب الموقوف، أن يأمر بالإفراج عن المتهم إذا وجد أن توقيفه ليس له أي مُبرر، وأنه لا ضرر على التحقيق من إخلاء سبيله، بل ولا يُخشى هروبه أو اختفاؤه، بشرط أن يتعهد المتهم بالحضور إذا طلب منه ذلك. جرائم كبيرة وقال «حسين جلال آل سنان» -محامي-: إن المادة (112) حددت الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، حيث حدد وزير الداخلية وبناءً على توصية رئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام - ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وقد صدر قرار وزاري رقم (1900) وتاريخ 9/7/1428ه يحدد تلك الجرائم التي يجب فيها التوقيف، ولا يقتصر الأمر على هذه الجرائم فقط بل جاء في المادة (113) أن للمحقق تجديد التوقيف بناء على شروط أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة، أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه لمنعه من الهرب أو من التأثير في سير التحقيق، مضيفاً أن من أهمية التوقيف وحساسيته أن رتّب المشرع إجراءات للإفراج المؤقت في الفصل التاسع من المادة (120) إلى (123)؛ لأن النظام حريص على تطبيق العدالة بوجه عام وليس بشكل تعسفي، فالحكمة من العقوبة هي التهذيب وليس الانتقام، مبيناً أنه يجب على كل مدعٍ بالحق الخاص أن يعلم أن النظام كفل له حقه عند الحكم بالقناعة أو الطعن، أما أخذه حقه بيده تحت أي مبرر يجعل جريمته في حق المجتمع أكبر مما وقع عليه، حيث إنه يقود إلى الفوضى دون مسؤولية، لافتاً إلى أن نظام العدالة عام وليس خاصاً برغبة شخص معين، مؤكداً على أن الدولة تأخذ حقوق الأفراد؛ لأن في ذلك ضماناً للاستقرار وعدم التعسف، والأهم بقاء الأمن سائراً مستقراً لتتحقق سلامة وأمن الجميع. آل سنان: مصلحة التحقيق أحياناً تستوجب توقيفه لمنعه من الهرب توقيف مؤقت وأوضح «آل سنان» أن الأصل هو عدم توقيع عقوبة إلاّ بعد حكم نهائي وثبوت إدانة الموقوف فيما نسب إليه، وقد ذكر المشرع ذلك في المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية، مضيفاً أنه لا يجوز توقيف إنسان في غير الأحوال المنصوص عليها نظاماً تطبيقاً لمبدأ العدالة، فالقاعدة القانونية «لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص» صيغت بشكل واسع في المادة الثانية من نفس النظام، مبيناً أنه عند التوقيف فإن صاحب السلطة يعمل إجراء استثنائياً عن الأصل؛ لأن التوقيف فيه سلب لحرية المدعى عليه طوال فترة التحقيق، وقد ذُكر في بعض التشريعات ب»الحبس الاحتياطي» أو «التوقيف المؤقت»، بمعنى أنه لا يُعد عقوبة عند صدورها من صاحب الصلاحية، وإنما تم توقيفه بقصد الوصول إلى الحقيقة عند الاشتباه، لكنه في كل الأحوال يُعد حجز للحرية، لافتاً إلى أنه عند ثبوت إدانته بحكم قضائي يكون حساب فترة العقوبة من تاريخ توقيفه وليس من تاريخ النطق بالحكم أو الإدانة، إذاً نحن بصدد إجراء شديد الأهمية. نوع الجريمة وأكد «مشعل الشريف» -محامٍ ومستشار قانوني- على أن القضايا الجنائية بشكل عام قسمان، الأول منها حق عام للدولة في حالة ثبوته، والثاني حق خاص للمجني عليه، مضيفاً أنه بالنسبة للتهمة في القضايا الجنائية تكون إمّا تعدياًِ على النفس، أو تلفظاً باللسان، أو كليهما معاً، أو التشهير سواء شفهياً أو كتابياً ...الخ، مبيناً أنه عادةً الشرطة هي أول من يستقبل الحالة الجنائية ويأخذ فيها الأقوال المبدئية، ومن ثم تُحيلها إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام خلال (24) ساعة من وقت وقوع الجريمة أو القبض على المتهم، ذاكراً أنه عند مثوله لدى المحقق وبعد التحقيق معه ينظر المحقق إلى نوع الجريمة التي فعلها المتهم، فبعض الجرائم لا ترتقي لدرجة إيقاف المتهم ويكفي فيها إطلاق سراحه بكفالة حضورية، والبعض يستلزم إيقافه للتحقيق بشكل موسع، موضحاً أنه يمتد التوقيف عادة لمدة عشرة أيام ومن ثم يقرر المحقق في حالة الاكتفاء من التحقيق هل يتم إطلاق سراحه أو يتم توقيفه بالسجن العام لحين محاكمته. مقابلة الخصوم وأوضح «الشريف» أنه في بعض القضايا يكون الشخص مطلقاً سراحه من قبل ويقابل خصمه بالمحكمة، مما يولّد الشحناء في النفوس، لكن البعض تنتهي الأمور بعد تقديم بعض القضاة صُلحاً لإنهاء الخلاف، مضيفاً أنه تختلف درجة الخصومة من شخص إلى آخر، لكن المصيبة الكبيرة هي عندما يتم ضرب النظام بالحائط وتدخل المحسوبيات والواسطة في بداية الأمر -حسب قوله-، ضارباً مثالاً حقيقياً حصل لموكل له حيث تهجم عليه في منزله العام الماضي شخصان، ودخلا عليه عنوةً وبالقوة، وتم طعنه بسكين وضربه ضرباً مبرحاً، خاصةً في جنبه، مما أصابه في كليتيه وخرج تقرير بأن مدة الشفاء (70) يوماً، مبيناً أنه أطلقت هيئة التحقيق والادعاء العام سراح الموقوفين بكفالة حضورية مع تقديمنا عدة شكاوى، خاصةً لدى الرئيس العام لهيئة التحقيق والادعاء العام بالمملكة بضرورة التقيد بالنظام، الذي نص على أنه في حالة ورد تقرير طبي عن حالة الشفاء للمجني عليه بأكثر من (15) يوماً فإنه يتم توقيف المتهم، لكن جميع خطاباتهم لم يلق لها أي سامع، وهذا أكبر دليل على عدم التقيد بالنظام، مما جعل نفس موكله تشتعل قهراً، خاصةً وهو يرى المتهم أمام عينيه مطلق السراح وفوق هذا يتخلف عن الحضور عن الجلسات بالمحكمة بكل استهتار، ثم يطلب القاضي من موكله الصلح والتنازل!. حماية الحرية وقال «د.عبدالجليل الخالدي» -محامٍ-: إن الأصل في القوانين والأنظمة هو صيانة حرية الفرد وحماية نفسه ودمه وماله وعرضه وعقله، لذلك لا يجوز الحجر على حريته أو الاعتداء عليها إلا بمسوغ مشروع، مضيفاً أنه نصّت المادة (26) من النظام الأساسي للحكم على: «أن توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلاّ بموجب أحكام النظام»، مبيناً أنه كفلت جميع دساتير العالم وأنظمتها الأساسية الحرية الفردية وجعلتها من أهم الحقوق التي تحرص الدول على ألاّ تمس أو تعطل أو تصادر ما لم تتعارض مع حريات الآخرين أو تعطل مصالحهم، ذاكراً أن الفرد قد يخضع أثناء مراحل الدعوى الجزائية للعديد من الإجراءات التي تمس حريته الفردية، كالقبض والتفتيش والتوقيف وتنفيذ العقوبة، ولمّا كان معرضاً للاتهام بارتكاب بعض الجرائم فقد أجازت الأنظمة استثناء من القاعدة مصادرة الحرية بصفة مؤقتة للمصلحة العامة، وأحياناً لمصحة المتهم، وهم ما يعرف بالحجز الاحتياطي أو المؤقت، الذي قد تمليه أسباب وظروف تتعلق بمصلحة التحقيق، أو مصلحة العدالة، أو مصلحة المتهم، كما هو الحال في جرائم الاعتداء على النفس وما دونها، حماية من عواقب قد يتعرض لها المتهم من قبل المجني عليه أو من ذويه. لا يحق للمدعي الرفض أو الانتقام أو «أخذ حقه بيده» لأن خصمه حر طليق.. حق الإفراج وأوضح «د.الخالدي» أن المُشرّع منح السلطة المختصة حق الإفراج المؤقت عن المتهم -هي ذاتها التي أمرت بالحبس الاحتياطي-؛ لأنها مازالت تضع يدها على الدعوى الجنائية، وهي الجهة الأقدر على الموازنة بين أسباب الحبس وأسباب الإفراج واختيار الملائم منها حسب الحال؛ التي تنحصر حسب النظام بهيئة التحقيق والإدعاء العام حال بقاء الدعوى في حوزتها، التي تعطي لمحققيها السلطة التقديرية لذلك في جميع الجرائم وإزاء جميع المتهمين وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق، مضيفاً أن للمحكمة المحال إليها المتهم بعد انتهاء إجراءات التحقيق الحق نفسه بالإفراج، إذ إن التوقيف هو إجراء استثنائي أجازه النظام لاعتبارات تتصل بمصلحة التحقيق، فإذا مازالت هذه الاعتبارات لابد من زوال التوقيف ويكون ذلك بالإفراج مؤقتاً عن المتهم إلى حين صدور حكم بحقه، أو حتى ظهور مبررات أخرى تستدعي ذلك، مشيراً إلى أنه نصت المادة (51/1) من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والإدعاء العام على أنه يتم الإفراج عن الموقوف احتياطياً لعدم توافر مسوغات استمرار توقيفه أو لزوالها، فإذا لم تتوافر هذه المبررات فلا يجوز للسلطة المخول لها هذا الحق الاعتداء على الحريات الشخصية للأفراد، ذاكراً أنه كلما انتفت الدواعي التي تجيز التوقيف يجب وقف الإجراء واستبداله بالإفراج المؤقت. وأضاف: نصّت المادة (120) من نظام الإجراءات الجزائية أن للمحقق الذي يتولى القضية في أي وقت سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المتهم أن يأمر بالإفراج عن المتهم إذا وجد أن توقيفه ليس له مبرر، وأنه لا ضرر على التحقيق من إخلاء سبيله بل ولا يخشى هروبه أو اختفاؤه، بشرط أن يتعهد المتهم بالحضور إذا طلب منه ذلك. الشريف: المشكلة حين يتخلف مستهتراً عن حضور جلسات المحكمة محل إقامة وذكر «د.الخالدي» أن المُنظِّم في المملكة قيّد ضوابط ذلك بترجيح عدم فوات مصلحة للحق العام أو الخاص، أو اذا أبدى تعاونا لإرشاد السلطات لما يعرفه من أدلة أو متهمين في القضية، أو إذا وجد المحقق أن الأدلة الموجهة للمتهم ليس لها مبرر أو ضعيفة، مضيفاً أن البعض يتصور أن الإطلاق المؤقت هو براءة للمتهم، وهذا الأمر غير صحيح، فحكم البراءة يجب أن يكون قطعياً وصادراً من المحكمة المختصة، مما قد ينشأ عنه فهم خاطئ لدى الخصوم، خاصةً فيما يكون في بعض جرائم الاعتداء على ما دون النفس، كالمضاربات أو تُهم السرقة، فيتصور المجني عليه أن المتهم قد بُرِّئ، فيعمل على أخذ حقه بيده، مما يؤدي به من أن يكون صاحب حق إلى متهم، كما أن بعض المتهمين يظن أن إطلاق سراحه انتهاء لقضيته، ولا يشعر إلاّ حين يُطلب من المحكمة، وقد يحكم عليه بالسجن أو نحوه. وأضاف: يجب ألاّ يُفهم أن إطلاق السراح المؤقت هو انتهاء للدعوى، بل يجب على أطراف القضية متابعتها حتى الانتهاء منها بحكم بات، لذا فرض المنظم التزامات على طالب الإفراج المؤقت وهي أن يتعهد بحضور جميع إجراءات التحقيق والمحاكمة ومثوله لإنفاذ الحكم عند صدوره، كما يلتزم بتعيين محل إقامة بقصد إبلاغه بجميع المعاملات المتعلقة أو مواعيد المحاكمة وإنفاذ الحكم. قضايا تستوجب التوقيف فوراً أكد «مشعل الشريف» على أن هناك بعض القضايا الموجبة للتوقيف فوراً، ولا يمكن إطلاق سراح المتهم بالكفالة من قبل المحقق كالقتل العمد أو شبه العمد وجرائم الإرهاب والجرائم المخلة بأمن الدولة، وكذلك قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية، أو الأسلحة والذخائر، أو تزييف أو تقليد النقود، أو التزوير، أو الرشوة أو انتحال صفة رجل السلطة العامة، أو غسل الأموال وسرقة السيارات، أو إعداد أماكن لترويج المسكرات، أو قصد الترويج في حال تهريبها أو تصنيعها أو حيازتها، واختلاس الأموال الحكومية، أو أموال الشركات المساهمة، أو البنوك أو المصارف ما لم يرد المبلغ المختلس، إضافةً إلى الاعتداء عمداً على ما دون النفس الناتج عنها زوال عضو، أو تعطيل منفعة أو جزء منها، أو إصابة مدة الشفاء منها تزيد عن (15) يوماً، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص، أو الاعتداء عمداً على الأموال أو الممتلكات العامة أو الخاصة بأي وسيلة من وسائل الإتلاف بما يزيد قيمة التالف عن خمسة آلاف ريال، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص. الخالدي: المحقق أقدر على «موازنة الحالة» بين الحبس أو الإفراج وقال:»من القضايا الموجبة للتوقيف الاعتداء على رجل الأمن أثناء مباشرته مهام وظيفته، أو الإضرار بمركبته الرسمية، أو بما يستخدمه من تجهيزات، واستعمال أو إشهار السلاح الناري بقصد الاعتداء أو التهديد به، أو انتهاك حرمة المنازل بالدخول بقصد الاعتداء على النفس أو العرض أو المال، وكذلك انتهاك الأعراض بالتصوير أو النشر أو التهديد بالنشر، والاعتداء على أحد الوالدين بالضرب ما لم يحصل التنازل». وأضاف أنه في حالة وصول معاملة المتهم إلى المحكمة سواء تم إطلاق سراحه بكفالة أو تم إيقافه، فإن القاضي هنا يكون له كامل الصلاحيات في اتخاذ الإجراء اللازم، وبإمكانه أن يطلق سراح المتهم بعدما يتم التقدم بطلب خروجه بكفالة، وربما يكون في قضية كبيرة مثل قضية غسيل أموال أو سرقة أو اعتداء بالضرب أو غيره، ذاكراً أنه في قضية القتل لا يتم إطلاق سراحه إلاّ في حالة الحكم الابتدائي بالبراءة، حيث يتم إخراجه إلى حين بعث الحكم إلى محكمة الاستئناف. سرقة السيارات من القضايا التي لا يمكن أن يخرج منها المتهم تحت أي ظرف د.عبدالجليل الخالدي حسين آل سنان مشعل الشريف