خطبٌ وكلمات وأفكار ومشاريع ورؤى مهمة سادت أجواء القمة الاقتصادية والاجتماعية في الرياض، وعلى رأس الأهمية كان مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز بزيادة رؤوس أموال المؤسسات والصناديق العربية المشتركة 50٪ لتشجيع مجالات عمل الشباب للقضاء على البطالة وغيرها في الوطن العربي.. العقدة الأزلية في الإعاقة العربية ليست توفر الإمكانات والأفكار، وإنما توفر المصداقية حيث اعتدنا منذ الخمسينيات وحتى اليوم من يضع نفسه قائداً وآخر يسلّم ويوقع بدون إبداء الأسباب اعتماداً على الحجم والسكان وسلطة الإعلام وعقد الصفقات بين نظام وآخر متجاهلين أن الأمر الذي يفرض القوة هو الجانب الاقتصادي وحده.. فألمانيا هي حصانة أوروبا في أزمتها المالية، وأمريكا تقود العالم بنفوذها المالي والسياسي، واليابان مع الصين والهند تقود آسيا لرحلة المستقبل، وكذلك دول قادمة لديها حافز لأن يكون لها دور عالمي ومحلي.. الوطن العربي إذاً يريد أن يتوجه للجانب الاقتصادي ويترك العلة السياسية، وهو ليس اكتشافاً جديداً فقد ضغطت قوى عظمى على بلدان عربية اقتصادياً فانهار اقتصادها ونظامها، ولعل الانتقال من اقتصاد الدولة المركزي إلى الاقتصاد الحر توفره النظم المتطورة والمراقبة الدقيقة للعملية التنموية، وفي هذه الظروف بالذات علينا أن ندرك أن مراكز القوى العربية تغيرت، وأن قضايا التكامل والتعاون لا تقودها العواطف أو سلطة الإعلام اللامسؤول، بل فهم مستلزمات المرحلة، وكيف نقوّم حاجاتنا على منطق الواقعية الحقيقية، والاعتراف بأننا نتعامل مع جيل عربي لا تخدعه المظاهر بل توفير المتطلبات الأساسية من حريات وتنمية، والحصول على نظم توفر له الصحة والسكن والحياة الكريمة.. تختلف الثروات العربية فهي ليست شحيحة، لكنها استُغلت في الاتجاه المضاد لتحقيق زيادة في الإنتاجية وخلق سياسات رشيدة، وبالتالي فعلينا الجلوس على طاولة واحدة بدون أحكام وإملاءات مسبقة، لنقوّم مرحلتنا السابقة ونقدها بما يوفر إطاراً للعمل الجديد.. وقمة الرياض يمكن أن تكون مفصلاً آخر إذا ما فهمنا أننا أمة واحدة نستقل بشؤوننا الداخلية، لكن نتكامل في استثمار قدراتنا في بناء مستقبل بعيد نتساوى فيه بالمسؤوليات والواجبات، وأولها سنّ قوانين تستجيب لمتطلبات المستثمر سواء أكان دولة أم قطاعاً خاصاً.. الكل يدرك أن هناك دولاً عربية تمر بمرحلة تغيير، وتعاني صعوبات اقتصادية ومالية، لكن بدون أن تكون قادرة على التخلص من إرث نظمها السياسية والاقتصادية، فإن العجز سيبقى قائماً، ولا نستطيع الجزم بأن المعونات والضمانات المالية ستنقذها، ما لم تحدد المهام والتشريعات.. أن يكون الاقتصاد هو المحور الأساسي لثلاث قمم سابقة فذلك يعد تغيراً إيجابياً، لكن الموضوع لا يتعلق بالأماني، وإنما بطرح الخطط التي تخرجنا من حالة مضاعفات الفقر والبطالة، إلى أمة تملك مساراً جديداً لا يلغي التباينات وإنما لا يكرّسها بحيث يتم تهييج الجماهير بعائد سلبي سياسي وتنموي، وهذا يحتاج تحرير عقولنا من أساليب الماضي وتعقيداته..