يحكى أن سيدة جميلة محبة للحياة، جعلت من بيتها جنة صغيرة من خضرة وورود مختلف ألوانها. لشقتهاالصغيرة في شارع الخزان بلكونة لطيفة صغيرة تكبر بنظافتها وجمال خضرتها. ظللتها بظلال خضراء تحجب عنها عيون الفضوليين وزرعتها ورودا بذلت عناية خاصة فيها، وضعت أصيصا من نعناع المدينة وريحان ومشموم منطقة الأحساء، ومن جازان أحضرت لها صديقتها شتلات فل، ونوارة صغيرة جعلتها تتفرع لتغطي تلك الفسحة، فيلذ الجلوس بها في المغربيات مع تناول وجبة خفيفة.. حيث نسائم الصيف تكسرها رطوبة الشجيرات وأريج الورد من حولها في الوقت ذاته.. فمن جو الصحراء أخرجت نسيمات ربيع قلقة ولكنها تهب بين آن وآخر.. تحب مسلسل ما بعد أخبار الثامنة بالسعودية وهي المحطة الوحيدة آن ذاك، وتقدم مسلسلات مصرية.. كان ذاك عهد مضى لها في أواخر السبعينيات، قبل أن تهب هبوب أخرى.. جلبت للسيدة شيئا حتى الآن لا تدري كنهه، ربما هو سعادة لم تقدر ثمنها، وربما شيء آخر.. لكن حتما ستجده أجرا في الآخرة. انتقلت مع الطفرة من شقتها الصغيرة في شارع الخزان إلى منزل جميل وصغير استطاع زوجها شراؤه من موظف قبله كان يمنح من الحكومة بسعر رمزي، في الملز.. نقلت شجيراتها، للحديقة وأضافت لها.. كما كان لديها شجيرات أخرى تتحرك بحبور أمامها وتكبر، يرعاها الله بعنايته.. كبر زوجها دينا وازداد مع ازدياد الإلحاح اللجوج من كل مكان ايمانا بضرورة الجهاد في أفغانستان، حتى ألح عليها بالموافقة على سفر ابنهما للجهاد في أفغانستان.. رفضت ورفضت، وبح صوتها واختنق، بينما صغيرها ذو الخمسة عشر عاما، يترك مدرسته المتوسطة، ويسافر غريبا في بلد غريب بلغة لا يفهمها ووجه لم تلجه جيدا علامات الذكورة.. اختطفت فرحتها، وسُرق النومُ من عينيها، فأصابها غم التجأت من خلاله لأخوات يشابهنها، وبدأت حلقات درس المواعظ والحكم. تدثرت بالسواد كله اسودت كفاها بالقفازات الطويلة وأرجلها بشراريب لا تشف أبدا، وضاق نقابها فكاد يحك في بؤبؤي عينيها.. استشهد صغيرها، وأعلنت الحكومة الأمريكية سقوط الاتحاد السوفيتي، ودخل مجاهدو الأفغان إلى كابول منتصرين يكبرون ويهللون.. شعرت أنها دفعت لهم تلك اللذة بدم صغيرها.. مرت أيامها وهي تزداد إيمانا، وتتمحور حول دروسها الدينية، ومن تلك الدروس العميقة والمتعمقة أيضا حق الزوج بزوجة ثانية، لتشاركها سيدة تتعاون معها على إرضائه، وسعادته.. وهي درست ووعت أنها لو لعقت جراح زوجها لما لحقت قدره.. وأمام ذلك ولإحصان مسلمات شقيقات لها دارسات معها، تم إقناعها بأن تشاركها زوجها أختها المصون فريال التي غيرت اسمها لحفصة.. أقبلت على زوجها تزكيها، وتطلب منه ذلك الأمر بكل نكران لذاتها الأنثوية.. تقبل رجلها ذلك راضيا سعيدا، وتم الزواج، طار بها شهر عسل إلى مكةوالمدينة، ومن ثم لبلاد الله الواسعة، وعاد بعد شهر سعيدا هانئا، ورزقه الله بنين وبنات.. ولكن لم يعيشوا كختام الحكايات الجميلة في تبات ونبات.. فقد مات نبات بيتها.. واصفر وجهها.. ومازال مصفرا، بعد أن طار الزوج ليحل في بيت كبير وجلب خادمات.. وعرفته فنادق ومطارات.. ازدادت لحيته كثافة وسوادا كرصيده.. أختها في الله تغيرت كثيرا.. وهي عندما عادت لنفسها لتحب حياتها وتؤسس مستقبلا تضحك له ويضحك لها، جمعت بقايا ذاتها وراحت تحيك وترتق حكاية أخرى.. وما زالت تحيك وتحيك.. وترتق.. بينما يغزو البياض شعرها وتصبغه حناء مبتعدة عن السواد.. وتطقطق عظامها معلنة قرب نهاية الرحلة..