في زمان مضى حضرت محاضرة قيمة عن القرارات الصعبة أين وكيف تتخذ وعن الطرق المثلى لاحتساب عواقبها. علقت في ذهني لجمال أسلوب ملقيها وسعة اطلاعه وقوته، أذكرها اليوم بعد أن مر طيفها بذهني ولم أمنع نفسي من مقارنة ما ذكر فيها بما يغرق فيه هذا الواقع من قصص. وجدت نفسي منجذبة للكتابة عنها وأنا أرى من حولي قرارات صعبة تتخذ، وأتساءل ترى كم من موقف صعب اضطر فيه صاحبه لاتخاذ قرار وهو خائف من الخسارة، وكم من آخر اقدم عليه صاحبه وندم؟ من الأشياء المميزة التي قيلت في تلك المحاضرة واعادها على مسمعي صوت آخر بطريقة مختلفة، أن الناس أمام المواقف الصعبة ثلاثة: المترددون؛ وهؤلاء صواب قرارهم وخطؤه وعواقبه تعتمد على من كان حوله، ليدفعه للقرار فيندم أو يرضى. والثاني هم المندفعون؛ وهؤلاء هم الأقل ندما والأسرع برءا منه، لأن قرارتهم لا تعدو عن كونها مغامرات ما أن ينتهي من واحدة حتى يبدأ أخرى قد يتلقى فيها درسا لكنه ليس بالضرورة أن يستوعبه او يتعلمه. أما الفريق الثالث فهم العاقلون أو المتعقلون وهؤلاء أياً كان قرارهم مترويا أو متعجلا فخطؤهم الأصعب والأكثر ايلاما واستيعابهم للدرس الأكثر تأثيرا سواء كان بالسلب أو بالإيجاب. حول هذه الثلاثة فئات تتمحور حياتنا بأخطائها ونجاحاتها تتشابك بعشوائية منتظمه يتقابل فيها المتردد مع العاقل أو المندفع، ويبتلى فيها العاقل بالمندفع اذا ما جمعتهم مغامرة، يندم العاقل بينما ينجو المندفع اذا ما صبر العاقل وبقي معه! ما بين الرغبة والضمير والحاجة وما يفرضه الدين، ما بين الجرأة والخوف وآفة التعود تتركز قراراتنا هل نقبل هلى نرضى أم نحتج ونثور أو ننسحب؟ من يحرك من؟ حول هذا السؤال اختلف الكثيرون واجتمعوا. اختلفوا في أي هذه الحوافز أقوى وأكثرها تأثيرا؛ الحاجة أم الرغبة أم الوازع الديني والضمير؟ واتفقوا على أنها جزء من قدره المحتوم الذي يجب عليه أن يواجهه ويتعايش معه. فليس كل قرار صائب وفي القرار الخاطئ عظة ودرس لمن شاء أن يتعلم. هذه سنة الحياة كما سطرها التاريخ في الكتب ونظَر فيها الآباء في المجالس وعلى الموائد أو سردتها الأمهات في حكاية ما قبل النوم. في إحدى البرامج أجاب شيخ جليل بأن من حيره أمر صعب فليصلّ ركعتي الاستخارة وليعزم أمره فإن أعجبته العاقبة فخير وإن ساءته فليرض وليحتسب. ومع أن حديثه كان سهلا ومريحا كهيئته؛ لكنه في واقع الأمر وحين المواقف الحاسمة قد يكون أصعب من أن ينفذ أو يتخذ.