حدثني من أثق به ويعرف حُبي الشديد للجَراد.. حدثني قائلاً ان "خيشة" الجراد تُباع في بعض مناطق شمال المملكة ب700 ريال.. فقلت له هل هو جراد مرشوش أم لا.. فإن ضمنت لي ان الجراد غير مرشوش.. فأنا مستعد لدفع ألف ريال "للخيشة" الواحدة.. حتى لو كانت تحوي النصف فقط من الجَراد الحي.. وثمة حكمة كان يتداولها كبار السن و(الاولين) رجالاَ ونساءَ.. تقول الحكمة أو المثل: إذا جا الجراد.. انثر الدوا.. وإذا جا الفقع (صِر) الدوا.. أي احتفظ به.. فقد تحتاجه للعلاج عند أكلك للفقع أو الكمأة.. أما عندما تأكل الجراد فلن تحتاج لأي دواء.. بل ستتحسن صحتك وتقاوم الأمراض.. بسبب قيمة الجراد الغذائية العالية.. فالجراد يتغذى على أشياء مفيدة من الحقول والمزارع.. أما الفقع فينبت من أرض أصابها المطر (في الوسمي) يختلط قوامه ويتشبع بالتراب الذي يصعب تنظيفه.. ومحبو الفقع الخلاسي والزبيدي يعانون كثيراً في تنظيفه.. كي يستمتعوا بطعمه اللذيذ.. فمهما تقوم بتنظيف الفقع من التراب تشعر بنكهة ووجود التراب في فمك وبين أسنانك أثناء أكله.. وفي نهاية الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي أتذكر (في المعيقلية) مطراً غزيراً (عرمرم) سال على أثره وادي حنيفة واعشوشَبت الأرض.. وتوفر الفقع في سوق المقيبرة والديرة بجانب (خياش) مليئة بالجراد المكن والزعير.. وكيف كنا نحن الأطفال نقوم باصطياد الجراد من سطوح المنازل.. لنتسلى بها.. وقبل أن تنفق أو بعده نقوم بشيها على النار وأكلها (وهي تقرمش) والواحد منا يتلمظ من لذتها.. يقابلها هذه الأيام ما يتناوله أطفالنا (البدناء) من شبس وتسالي.. وعن نفسي أقول انني أفضل أكل الجراد على أكل الفقع ماضيا وحاضرا.. مع ندرة الاثنين هذه الأيام.. ولولا الخَشية من كون الجراد النادر هذه الأيام (متسمماً) بسبب رشه بالمبيدات.. لقمت بشرائه وأكله مهما غلا ثمنه.. أما الفقع أو الكمأة فيأتي بعد الجراد في اللذة.. ويحضرني كاريكاتير عن الفقع للمبدع عبد السلام الهليل.. يصور فيه أبو حمد وقد اشترى فقعا بثمن غال ووضعه في المطبخ لطبخه وأكله.. وعندما قام بالبحث عنه ممنياً النفس بأكلة كمأة لذيذة.. سأل زوجته.. لتقوم بسؤال الخادمة التي قالت لهما بدورها (أنا فيه يشوف بطاطا كربان في مطبخ.. أنا يعطي كومار يرمي زبالة يابابا) وإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار الطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.