ناؤورو ليس اسم كوكب في مجرة أو بطل مقاتل في روايات الخيال العلمي، إنها جمهورية صغيرة في المحيط الهادي لا تتجاوز مساحتها 21 كم مربع و يسكنها ما يقارب 14 ألف نسمة. حسناً.. ما علاقة جمهورية ناؤورو بنا في دول الخليج خاصة وأننا لسنا في حصة جغرافيا أو جيولوجيا. الجواب يكمن في القصة التراجيدية للاقتصاد الناؤوروي. منذ أن تم اكتشافها عام 1798 على يد إحدى البعثاث البريطانية، تعاقب على استعمار ناؤورو كل من الانجليز والألمان والاستراليين و اليابانيين والأمريكان. اكتشف الفوسفات في ناؤورو لأول مرة عام 1889 م ومن بعدها راحت تلك الدول تمتص خيرات هذا البلد، و ترمي بالفتات لسكانه. ولكن بعد أن نالت ناؤورو استقلالها عام 1968م، غدت جمهورية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من الفوسفات المستخرج من أراضيها حتى أصبحت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي الدولة رقم واحد على مستوى العالم من حيث معدل دخل الشخص الواحد متقدمة بذلك على الولاياتالمتحدة و اليابان في عز مجدها وطفرتها الاقتصادية. عاش أهل ناؤورو أياما وليالي حالمين سعداء يجوبون البلاد ويشترون ما يشتهون. لم يكن أهل ناؤورو في حاجة للعمل بل أتوا بالأجانب يكنسون و يغسلون و يعملون. أصبحت الدولة تشتري منتجعات في هاواي والجزر المجاورة كملاجىء للمواطنين في حالات الطوارىء. 95% من السكان كانوا موظفين حكوميين وراحت الدولة تقدم خدمات الصحة والتعليم مجانا ويستلم الموظفون المتقاعدون راتبا ثابتا من الدولة. ربما عرف الناؤوريون في ذلك الوقت أن الفوسفات لن يظل هناك للأبد ولكنهم لم يحبوا أن يشغلوا بالهم ويقلقوا أنفسهم بشيء رأوه بعيدا ولكنه كان قريبا. في عام 1989م ولأول مرة بدأت كمية الفوسفات المستخرج في التناقص واستمر المعدل في انخفاض حتى لم يعد يستخرج إلا 55 ألف طن من الفوسفات عام 2002م . أما الآن فقد شح الفوسفات ولم تعد ناؤورو قادرة على تصدير كميات كبيرة منه. ماذا حصل لناؤورو؟؟ تبلغ نسبة البطالة الآن ما يقارب 90% ، والحكومة تواجه صعوبات في دفع رواتب الموظفين الحكوميين والمحافظة على البنية التحتية المتهالكة من عدم الصيانة. و يقوم اقتصاد ناؤورو على المساعدات و المنح الاقتصادية من استراليا و الدول الأخرى. وفي عام 2006م تم إهداء طائرة من طراز بوينغ لأن كل الطائرات القديمة أصبحت متهالكة و خطرة على حياة الركاب. ويعاني 30% من سكان ناؤورو من مرض السكري وأكثر من 90% من الوزن الزائد. السؤال هو ما الدروس المستفادة من تجربة ناؤورو بالنسبة لنا في دول الخليج؟؟ الإجابة وبكل بساطة أنه كما انتهى فوسفاتهم فنفطنا و غازنا لن يظلا للأبد! وحسب بيانات صندوق النقد الدولي للعام 2010م فيشكل النفط والغاز ما يقارب 43% من الناتج القومي الإجمالي لدول الخليج في حين لا يتجاوز المعدل العالمي 5% . يظل الدرس الأهم من تجربة ناؤورو هو الإسراع بعملية التنمية الصناعية و إعادة هيكلة الاقتصاديات الخليجية بأسرع وقت ممكن قبل أن يداهمنا الوقت و يدور الزمان دورته. لا شك أن الخطط الموضوعة و الجهود المبذولة تصب في هذا الاتجاه وهنالك تقدم حاصل بيد أن الأمر يستدعي مستوى أعلى من الانتاجية و الجودة في التخطيط و التنفيذ في ظل سباقنا المشتعل مع الزمن. وترى كم سنة بقيت على نضوب البترول الخليجي؟؟ .