ماذا يمكن للغة أن تفعل أمام القذائف،أمام رائحة البارود،أمام الأماكن التي كنت تراها في الأمس وفي اليوم الذي يليه لم تعد تراها بفعل الدمار الهائل الذي أصبح يستحل كل الأشياء،ماذا يمكن للطفولة أن تفعل أمام ثقافة الموت واللون الأحمر الذي لا يدل إطلاقاً على الحب بل على الدم ذلك الشيء الذي لم يعد البطل يشمئز منه لفرط ما رآه،كذلك الذكريات القديمة،الذكريات ذات الرائحة الوديعة والتي لم يعد يدري من حيث حقيقة وجودها وتكرارها في المستقبل فهكذا هي الحروب كفيلة بنزع ذلك المخزون الإنساني الجميل الذي يحمله الفرد في دماغه والذي يستعين به حين يريد أن يمارسه كجزء مناعي يصد كل احتماليات الموت والبؤس لصناعة مستقبل ذي غطاء آمن من أجل البقاء على قيد الحياة. ماذا يمكن للبطل أن يفعل وهو الذي لم يستوعب إلى لا حقاً وبعد مضي عدة سنوات بأن عائلته ليست هي عائلته ووالده إنما هو ضربٌ من الصدفة وبأنه هو من وجه البندقية ومن خطفه هو ورفاقه وفتحوا النار ليطلقوا على سيارة عائلته والتي كانت متوقفة بسبب المطر وانعدام الرؤية الجوية،قوّسوا على الأجساد التي كانت تجلس بالداخل لم يستطع أحد الهروب لأن الطريق كان مسدوداً وضيقاً مما جعل المرأة التي في الخلف تحضن الأولاد بسرعة إعلاناً لوداعهم بشكله الأخير الذي كان مارون من بينهم خافضاً رأسه وجسمه الصغير والرصاص يُخرّج نوافير الدم من الأجساد والزجاج يتساقط بقسوة. يتطرق ربيع جابر الحائز على جائزة البوكر عام2012 في عمله الروائي"الاعترافات" إلى عنصر الشر البشري مستمداً ذلك من حرب لبنان الأهلية ومتخذاً منها بنية أساسية لروايته حفاظاً على وجودها تاريخياً وإبداعياً فما الكاتب سوى ناقل لغوي خلاّق يستجلب التاريخ الأليم تاريخ الحروب والبارود والرصاص ويعيد تشكيله من جديد مما يجعل القارئ يشعر بالتدمير النفسي الذي تخلفه الحروب على الأطفال وعلى المجتمعات البشرية وهذا التدمير الوجداني هو أكثر الأشياء فتكاً ومقاوماً للنسيان . تدور أحداث الرواية حول البطل مارون الصغير الذي يحكي قصته مع عائلته أيام الحرب ويتحدث عن والده وأمه وشقيقه الأكبر وشقيقاته وعن أخيه الصغير الذي لم يره لكنه يرى صورته معلقة على الحائط وفيما بعد يكتشف مارون أنه ليس مارون أي أنه شخصين أو أنه لا أحد مما جعله يعاني من حالة ذهانية انفصامية لا تعرف أين يقع الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال حيث كان يرى نظرات غريبة في عيون والده وشقيقه أحياناً لم يكن يدرك معناها حتى أخبره ايليا الذي كان يظن بأنه شقيقه بيولوجيا أنه ليس أخاه وأخبره القصة أثناء الحرب وعندما انتشرت أعمال الخطف والقتل غادر مارون الحقيقي المنزل و لم يعد لأنهم خطفوه وقتلوه فأصبح والده يمارس الخطف والقتل أيضا انتقاماً من الأبرياء ومن غير الأبرياء وحدث أن قام والده بقتل عائلة كاملة ونجا منها طفل صغير لم يقو على قتله لأنه في عمر ابنه الذي فقده في عمر مارون أخذه معه للبيت وأصبح مارون يقول للقارئ قهراً: " ألم أقل لكم أنا لست أنا ألم أقل لكم أن حياتي غريبة وأنني عشت حياتي كلها أصارع ذاكرتي وذاكرتي تدور حولي وتخدعني مرتين ؟! "