ما إن بدأ وميض الكهرباء يسري في أزقة مدن بلادنا شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً، إلاّ وبدأ الناس حول تلك الفوانيس و"الأتاريك"، وكأنهم يتحلّقون حول مصباح "علاء الدين السحري"، فقد دخلت الكهرباء -بعد بزوغها في الحرمين الشريفين وفي أزقة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة- إلى العاصمة الرياض عبر قصر المربع الذي استقبل أول مولد كهربائي أضاء غرف وحجرات ودهاليز القصر العتيد؛ الذي بدأ من خلاله "المربع" كأنه قلعة وسط النجوم، حيث الأرض الفضاء التي تبدو لسكان مدينة الرياض وللراحلة والمسافرين؛ وكأنها آية من آيات ذلك الزمان، لا سيما حين بدأت الكهرباء بالانتشار شيئاً فشيئاً، واستطاع من خلالها الأهالي أن يمدّوا الأسلاك بين بعضهم البعض وسط صورة من صور التعاون والتكافل الاجتماعي، وعليه كانت القصور والدور العالية تجود بما تمتلكه من مخزون الطاقة الكهربائية لجيرانها، وهي التي كانت مقتصرة على الإضاءة فقط كما يعاني منها مرتادو الطرق والأزقة، لاسيما حين يغيب البدر ويتيه البعض في دياجي الظلام وحناديس الليل البهيم. دخلت المولدات الكهربائية إلى بلادنا بعد (أربعين) عاماً من إنشاء أول محطة توليد للطاقة الكهربائية في العالم، حيث أنشأ المخترع الأمريكي الشهير توماس أديسون أول محطة صغيرة لتوليد الطاقة الكهربائية في "نيويورك" عام (1299ه)؛ لتنتشر بعدها المولدات في أصقاع المعمورة شرقاً وغرباً. فوانيس رمضان كانت إضاءة الشوارع في كافة مدن وقرى المملكة مقصورةً على القناديل و"المسارج" التي تُشعل بوقود "القاز"، كما انتشر في مكةالمكرمة وبعض مدن الحجاز ما يسمى "القمرية"، وهي عبارة عن "أنتيكة" مزودة بآلة تُعبأ كما تعبأ الساعة، ولها مروحة صغيرة في جوفها تطرد الدخان، كما عرفت بعدها "الأتاريك"، وهي نوعان منها ما يستضاء به في البيوت وهو صغير الحجم، ومنها ما تضاء به التمدّن جاء بعد مرحلة صعبة من استعمال «السراج» و«الأنتيكة» و«القمرية» و«التريك»..والحصول على «القاز والفتيل» الشوارع ويعلق على أعمدة الخشب، وقد سبقتها الفوانيس التي هي نوع من "الأساريج" والتي تجد مع دخول شهر رمضان رواجاً وطلباً منقطع النظير من قبل الأهالي في الحجاز، وهذه عادة قديمة وفدت من مصر ولها قصة مفادها أنه حين دخلت جيوش "المُعز لدين الله" إلى أرض مصر بقيادة القائد "جوهر الصقلي" الذي بنى مدينة القاهرة ثم أرسل إلى "المعز" يطلب منه القدوم إلى المدينةالجديدة التي بنيت على امتداد مدينة "الفسطاط" التي بناها "عمرو بن العاص" -رضي الله عنه-، ومدينة القطائع التي بناها مؤسس الدولة الطولونية "أحمد بن طولون"، وكان وصول "المعز لدين الله" في الليلة السابعة من رمضان من عام (362ه)، فخرج العسكر وبعض الأهالي لاستقباله وهم يحملون الفوانيس واجتازوا نهر النيل بمراكبهم فسُمّي ذلك الموقع بأرض الجيزة؛ لاجتيازهم النهر، وكان البعض يسميها بذات الاسم قبل هذه المناسبة، واستمر عسكر "المعز" ورجاله يُحيون هذه الليلة ويخرجون بالفوانيس مع حلول الشهر الكريم، كما كان خروج الناس للعمل في ليالي رمضان مدعاة لبقاء مثل هذه العادة، لاسيما وقد اعتاد الناس أن يلزموا بيوتهم نهار الشهر الفضيل. برج قصر الحكم بمصباحه الكهربائي المُركب لإضاءة أسطح القصر وكان مصدر الضوء الأول في الرياض (المصدر- هيئة تطوير الرياض) قناديل الحرمين كانت القمرية المنتشرة في أزقة وشوارع مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة لا سيما أمام بيوت الموسرين تَرد من "تركيا" و"الهند" -في الغالب-، وكانت غالية الثمن وتُشعل ب"القاز" و"الفتيل"، ولها شكلٌ واحد وطولها يقارب الثلاثين سنتيمتراً، وبداخلها آلة صغيرة أسطوانية الشكل تشبه الساعة تُعبأ عن طريق "زمبلك" أو "فرار" صغير بعد أن تطرد الدخان الناتج عن عملية الاحتراق عن طريق مروحة صغيرة، وليس لها زجاجة في رأسها، كما أنها لا تنطفئ من الهواء، وقد انتشر بعدها الفانوس الهندي وهو معروف ومشهور بأنواعه المختلفة وأشكاله المتباينة، أما "الأتاريك" -جمع إتريك- فلها مع شوارع مكةالمكرمة حكاية بل رواية يرويها الطاعنون بالسن الذين كانوا آنذاك أطفالاً صغاراً يلعبون بكل براءة في أزقة حي "أجياد" و"الشبيكة"، ويبعون الحلوى و"الملبس" في "سوق الليل"، وكان ضوء "الأتاريك" أبيض يضاهي ضوء الكهرباء، وقد وصفه "محمد علي مغربي" في كتاب "ملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز" وصفاً دقيقاً قال فيه:"إنه كان يستخدم في بيوت الموسرين والعُلية من الناس لغلاء ثمنه ولكنه بعد أن انتشر وراج بيعه هبط سعره وتمكن متوسطو الدخل أن يستضيئوا بضوئه الساحر، كما تزينت به بعض الدوائر الحكومية التي كانت تعمل في ليالي شهر رمضان المبارك، على أن البداية من ترسية إنارة الحرم على «أبو الريش» ب«ستة قروش» لكل لمبة في الليلة.. "الأتاريك" نوعان منها ما تضاء به الشوارع ومنها نوع صغير تضاء به المنازل والدور". ووصف "عزيز ضياء" شعوره بدخول "الأتريك" الذي يمثل شعور معظم الأهالي آنذاك بقوله: "كنا نشعر بالزهو ونحن نراه يضيء المجلس مع إحساس -والحمد لله- بأننا قد أخذنا طريقنا إلى ما كنا نسمع عنه ولا نرى له أثرا من حضارة القرن العشرين"، على أن المؤرخ "أحمد السباعي" ذكر وفق ما أوضحه "محمد أستموني" أن "الأتاريك" دخلت إلى مكة عام (1335ه) حيث أضيء المسجد الحرام بها، ودخلت أول ماكينة كهرباء لإنارة المسعى عام (1338ه)، كما تم شراء ماكينة أكبر عام (1340ه) لإتمام إضاءة المطاف وبعض نواحي الحرم الشريف وكان ذلك بأمر من "الشريف حسين" -رحمه الله-، وكانت هذه "الأتاريك" صينية الصناعة، أما دخول الكهرباء فقد جاء بالتدرج بدءاً بالمولدات التي وضعت على جنبات الحرم الشريف، ثم إيعاز الملك عبد العزيز بإضاءة قصر المربع بالرياض بمولد كهربائي، وكانت محاولات توليد الكهرباء قد بدأت قبل هذا التاريخ، حيث عمدت بعض مصانع الثلج ومطاحن الحبوب إلى صنع الطاقة الكهربائية عبر مولدات أعدتها لصناعة الثلج وإنارة المحلات القريبة وبعض المساكن، وقد اقتصرت أعمال الإنارة على ثلاث ساعات فقط تبدأ بعد صلاة المغرب. في السابق كان «السراج» يُعلّق في موقع يمكن أن يُضيء من خلال أكبر مساحة في المنزل وتفصيل ذلك ما ذكره "الغازي" و"باسلامة" نحو أن بدايات الإضاءة الحديثة كانت حين أمر الشريف حسين -رحمه الله- بإضاءة الحرم الشريف بالقناديل، وكذلك "الأتاريك" سنة (1335ه)، ثم أدخل عام (1338ه) مولداً كهربائياً قوته (ثلاث كيلو وات)، وضع في "مدرسة أم هاني" أمام دار الحكومة "الحميدية" بعدد من اللمبات يقدر ب(105)، وبقوة (خمس وعشرين شمعة) وبعضها بقوة (خمسين) إلى سنة (1340ه)، حيث أمر بماكينة أخرى قوتها (ست كيلو وات ونصف) وب"ماطور" بقوة (13) حصانا وضعها في أجياد، وإن كان دخول الكهرباء إلى بلادنا قد سبق هذا التاريخ كما يقول الشيخ "حسين باسلامة" في كتابه "تاريخ المسجد الحرام"، حيث ذكر أن الدولة العثمانية قد أضاءت المسجد النبوي بالمدينةالمنورة بالكهرباء عام (1328ه) أي قبل المسجد الحرام بعشر سنوات، وربما كان للسياسة التي اتبعها العثمانيون من خلال القطار العثماني دور في هذه الأولوية. «قصر المربع» استقبل أول مولد كهربائي في نجد و«الكبارية» مدّوا الأسلاك لجيرانهم وكان أحد تجار الهنود واسمه "داود أتبا" من أهل "رانكون" قد تبرّع للحرم المكي بماكينة كبيرة ذات (ثلاثين كيلو وات) عام (1346ه) إلى أن أمر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بشراء ماكينة أخرى عام (1349ه)، كما أمر ب"ستة شمعدانات" على جدار حجر إسماعيل من النحاس الأصفر، ولا زالت فكرتها باقية إلى يومنا هذا، كما هي فكرة الرخام الذي بُني به حجر إسماعيل -عليه السلام- منذ عهد الخليفة العباسي المهدي وابنه الرشيد، إلى أن جاء عام (1353ه)، حيث أهدى المسجد الحرام الحاج "سر محمد مزمل الله خان" ماكينة كهرباء عظيمة بكامل آلاتها وأدواتها. فاتورة كهرباء قديمة في «بريدة» بعد أن انتشر الكهرباء في بيوت الطبقة المتوسطة الوثائق الرسمية وتثبت الوثائق المحفوظة في "معهد الإدارة العامة بالرياض" إرساء مناقصة إنارة الحرم الشريف لعام (1346ه) على السيد "محمد علي أبو الريش" بمبلغ ستة قروش أميرية لكل لمبة في كل ليلة، وكان إصدار هذه الوثيقة في باكورة عام (1345ه) تلتها وثيقة صادرة عن مجلس الشورى في السادس من جمادى الأولى في العام نفسه، تتضمن الموافقة على بناء غرفة لجهاز الكهرباء في "مستشفى جدة" بمبلغ لا يتجاوز (خمسين) جنيهاً، والمتتبع لهذه الوثائق المحفوظة لدى "وزارة المالية" و"مجلس الشورى" و"معهد الإدارة العامة" يحيط جيداً بعملية تطور وازدهار المولدات الكهربائية وانتشارها في ربوع البلاد، وكانت المساجد والدوائر الحكومية وقصر الملك ودور الأمراء وكبار المسئولين ورجال الأعمال أول الدور والمرافق التي شهدت هذا الانتشار، وكان جيران المساجد يستفيدون من مولداتها كما يسمح بعض الموسرين بمد أسلاك من منزله إلى بعض جيرانه، وكانت الطاقة الكهربائية طيلة هذه الفترة مقصورة على أعمال الإنارة فقط، ما عدا ما ذكرناه عن مصانع الثلج ومطاحن الحبوب. منافسة القطاع الخاص بدأت المرحلة الثانية من مراحل تطور إنتاج الطاقة الكهربائية في بلادنا مع إصدار الدولة نظام منح امتياز صناعة توليد الطاقة الكهربائية عام 1352ه الذي شجع المستثمرين ورجال الأعمال على التقدم بمشروعات أكثر تنظيماً لصناعة توليد الطاقة الكهربائية، وقد حصل كل من "محمد عبد الله رضا" و"على رضا" و"إبراهيم شاكر" على امتياز مشروع إنارة مدينة جدة، وأسسوا شركة مساهمة باسم "شركة كهرباء جدة" عام (1354ه)، كما حصل "إبراهيم الجفالي وإخوانه" على امتياز مشروع إنارة مدينة الطائف وضواحيها، وقيل انه حصل أيضاً على امتياز مشروع مكةالمكرمة، وتمكن حينها من تأسيس "شركة كهرباء الطائف" عام (1368ه)، في حين حصل "عبدالعزيز الخريجي" على موافقة مجلس الشورى على تسجيل شركة مساهمة باسم "الشركة السعودية لتوليد الكهرباء بالمدينةالمنورة" عام (1366ه)، وفي المنطقة الشرقية تولت "شركة أرامكو" تغطية كافة مرافقها ومجمعاتها الإدارية والسكنية في "الظهران" و"رأس تنورة" بالطاقة الكهربائية، وفي الثمانينات الهجرية قدّمت الدولة دعماً كبيراً لقطاع الكهرباء ومنحت القروض والتسهيلات والإعانات لدعم هذه الطاقة كما أصدرت نظام حماية الصناعات المحلية وتشجيعها عام (1381ه) والذي منح القطاع الخاص حوافز وتسهيلات كبيرة. «إتريك» قديم قد يوقد للإضاءة بواسطة «القاز» للحالات الضرورية قبل دخول الكهرباء وذكر "عبد المنعم الغلامي" في كتابه "الملك الراشد": "إن أول شركة عربية ساهم فيها أبناء المملكة وحدهم برأس مال قدره مليون جنيه هي (شركة الكهرباء السعودية) التي بدأت باكورة أعمالها بإضاءة مدينة الطائف بأول تيار كهربائي، وقد رفع نجاحها الباهر من مركزها في محيط الاقتصاد السعودي وارتفعت أسهمها خلال أربع سنوات من تأسيسها إلى ثلاثة أمثال قيمتها الأصلية"، سخّرت بعدها الشركة الأيدي العاملة والعقول الجبارة والكفاءات الفنية الممتازة إلى العمل في مشروع إنارة مكةالمكرمة والحرم المقدس بالكهرباء التي وصفها "الغلامي" قائلاً: "كان مشروع إضاءة الكعبة المشرفة والحرم الشريف بأنوار (الفلورست) قد بلغ أقصى ذروة من الروعة والإبداع، وجرى على أحدث ما ابتكره العلم الحديث فشملت هذه الإضاءة الأعمدة المقامة حول ساحة الكعبة ومداخل أبوابها الأربعة والعشرين والساحة المباركة التي جُعل فيها ثمانية وعشرون مصباحاً كشافاً على أعمدة من الخرسانة والمآذن السبعة تشع منها الأضواء ذات اللون الأزرق، وقد بلغ عدد أجهزة الإضاءة لإنارة البواكي من الداخل (225) جهازاً محلياً، كل جهاز منها بحُلية معدنية حوت أنابيب زجاجية تبدو فيها حروف لفظ الجلالة (الله)، ثم أنشأت "شركة الكهرباء السعودية" محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في مكةالمكرمة وأطلقت عليها محطة (أم القرى) بقوة توليد تقدر ب(خمسة آلاف كيلو وات)"، وذكر "الغلامي" أنه جرى بعد ذلك بفترة وجيزة إنشاء مولد آخر يزيد من قوة التيار إلى (عشرة آلاف كيلووات) إضاءة الرياض كما تم إنشاء "شركة الرياض الوطنية للكهرباء" التي بدأت برأسمال قدره (عشرة ملايين) ريال سعودي لإنارة العاصمة، وقد اتفقت مع شركة "إخوان سولزر" السويسرية على توريد وتركيب وإدارة المكائن الضخمة، وقد وصف "أمين سعيد" في كتابه "النهضة السعودية في عهد الملك سعود" كيف كان شارع المطار القديم -شارع الملك عبدالعزيز- مُطرزاً بأعمدة الإنارة التي جعلت منه حزاماً مضاءً وسط المدينة الوادعة، كما كان شارع البطحاء وشوارع أحياء المربع والناصرية وعليشة والفاخرية وشارع الخزان وبدايات حي الملز الذي كان يسمى "البحر الأحمر" أو "الرياضالجديدة"، كما وصف "وليم فيسي" في كتابه "الرياضالمدينة القديمة" بدايات ازدهار العمران ودخول الكهرباء في الرياض بصورة مُفصّلة تتبع من خلاله التطور المطرد لنمو العاصمة، ولا أدل على ذلك إلاّ إعجاب الملك المؤسس "رحمه الله" بإضاءة "الفورسنت" التي شاهدها في قصر ابنه وولي عهده آنذاك الملك سعود حين تدشين قصره الجديد بالناصرية، وكانت بدايات الكهرباء قد فتحت للأطفال الصغار سبيلاً للعب في أزقة المدينة وسط ظلام الليل الحالك، كما وجدت ربات البيوت فرصة أخرى للالتقاء بالجيران والأقارب، أما رجال ذلك الزمان فما زالوا يتذكرون جيداً دواوينهم ومجالسهم التي أعادت لأذهان البعض ليالي وأماسي "الوصل بالأندلس" التي وصفت مدنها آنذاك بأنها مدن النور والبلور. «الأتاريك» كانت تستخدم لإضاءة الطرقات بين المنازل الشعر الكهربائي مع نهاية القرن الهجري المنصرم كان الوزير "غازي القصيبي" -رحمه الله- يتربّع على عرش وزارة "الصناعة والكهرباء"، وذلك حين التوسع الشامل في تمديد التيار الكهربائي وإزالة الأعمدة والأسلاك الكهربائية ودفنها تحت باطن الأرض، وهو الأمر الذي استدعى -بوجود القصيبي- حضور الشعر وأدب الأخوانيات وفن المساجلات والمناكفات الشعرية في جوٍ أخوي بعيدا عن "التكهرب"، وقد دوّن "خالد بن محمد بن خنين" جزءًا كبيراً من أدب وشعر "الكهرباء" الذي دار بين الوزير وعدد من المسئولين والمواطنين الذين رفعوا للوزير طلباتهم وشكاواهم عبر مطية الشعر التي بدأها رئيس تعليم البنات آنذاك الشيخ "راشد بن صالح بن خنين"، حين كتب للوزير القصيبي يطلب منه إيصال الكهرباء إلى بعض مدارس البنات التي لم يصلها التيار وهو يقول: غزانا الصيف يا غازي فجودوا بتيار يكيّف للمدارس بنات الناس في قلق ويغشى على بعض فرفقاً بالعرائس ثم ان الشيخ راشد أرسل للوزير القصيبي يستحثه الرد على طلبه قائلاً: تمام الحول قارب لم تُجيبوا ولم تجزوا المماطل والمعاكس كلام الناس في هذا كثير وأنت الشهم تنفي للوساوس فمرهم عاجلا يأتوا بسلك يبرد أو يبدد للحنادس وحينها لم يجد الدكتور غازي بداً من أن يطمئن صديقة الشيخ راشد ويعتذر له قائلاً: رعاك الله يا شيخ المدارس وصانك للصغيرات العرائس ويدري الله كم يدمي فؤادي عذاب صبية والحر عابس وحر الصيف بالأبطال يودي فما بال الرقيقات الأوانس؟ وعذري -إن قبلت العذر- إني أمارس من بلائي ما أمارس توسعت الرياض نمت فصارت ك"لندن" في تشعبها و"بارس" ففي حي "النسيم" شكت ألوف تنادي في الدجى والليل دامس ويبدو أن أحد القراء في إحدى الصحف ممن رمز لاسمه ب"عاشق النور" دخل في موجة المساجلة المستعرة بين الشيخ والوزير، فكتب مسانداً لمطالب الشيخ راشد وهو يقول: إذا جاء المقيل ترى بناتي يبللن الشراشف والملابس وإن جاء الظلام ترى جموعاً وجيشا هاجماً من كل نامس ليشارك في المساجلة أحد أبناء منطقة جازان يشكو حاله وحال أسرته مع الكهرباء قائلاً: أنت أدرى كم نقاسي من جراح الانطواء حول فانوس كئيب وشموع في الخباء ونرى في الليل غولا من جنون الكبرياء بين طفل يتلوى في دموع البؤساء ولهيب الحر أقسى من خداع الأصدقاء هذه جازان تحكي جرحها للأوفياء علَّها تلقى جوابا حاملاً كل الدواء أو مجيئاً يا وزيري أسوة بالوزراء وكان "محمد بن حسن العمري" قد دخل أيضاً الموجة بأبيات قال فيها: بفصل الصيف تزداد الهواجس خصوصا حين تبتل الملابس يسائل بعضنا بعضاً علاما أفي هذا التماس أو تلامس وتلقانا على هام النواصي كأنا قد بلينا بالوساوس ولكن "محمد المشعان" يأتي لينصح الطرف الآخر في المساجلة بقولة: وغازي شاعر من عهد نوحٍ تلقى هاجساً فرمى بهاجس يبيعك إن جلبت الشعر شعراً ويلهي الشعر بالشعر المعاكس فلا تجلب إلى هجر تموراً ولا تغز الضجيج بصوت هامس التغطية الشاملة والطاقة البديلة مع دخول القرن الهجري الجديد ومع تنفيذ الخطط المرسومة لتغطية كافة مدن وقرى وهجر المملكة بالكهرباء، استمر وميض مقابس الضوء في الدور والمباني والطرق الرئيسة منها والفرعية دليلاً بل مؤشراً على تسارع عجلة التقدم في إنتاج الطاقة الكهربائية التي تجاوزت من خلال الربع الأول من ظهور مهام توليد الضوء، إلى مهام الطاقة الخدمية والتشغيلية، وحتى بدت الآلة الكهربائية أحد العناصر الرئيسة في المنازل والمرافق العامة والخاصة، بل إنها أصبحت إحدى أهم المهام الاتصالية والترفيهية، حتى بدأ العالم في عصرنا الحاضر يحاكي الطاقات البديلة التي من شأنها تقليل الضغط على الطاقة الكهربائية، من خلال طاقات بديلة كالطاقة التخزينية والطاقة الشمسية التي لا يسعنا -ولله الحمد- إلاّ أن نتذكر زمناً كُنا نردد فيه قول الشاعر "محمود بيرم": زمان يوقد المصباح فيه بنور الزيت لا بالكهرباء نعم كانت منازلنا ظلاماً ولكن القلوب على صفاء وكان طعامنا أبداً كثيراً فيغرف في القصاع وفي الدلاء وشاء الله أن عشنا وجئنا إلى زمن الملاعق والغلاء مساجلة «ابن خميس» و«د. القصيبي».. وثّقت البدايات اضطر الشيخ العلامة «عبدالله بن خميس» أن يطرق باب المساجلة الشعرية مع د. غازي القصيبي» - رحمهما الله - حين كان وزيراً للصناعة والكهرباء، حيث أرسل له يشكو حال مزرعته في «ضاحية العمارية»، وعدم وصول الكهرباء إليها، وهو يقول: وعدتم غير أن الوعد خيل أتى منا على خمس عجاف دفعتم بالمقاول كي نراه فما وفّى القليل ولن يوافي أثيراً عنده خمسون شغلاً ويرضيهم بما دون الكفاف فلو أن المدى شهر وشهر وتسعة أشهر عداً توافي ولكن المدى مطل ومين وتسويف عقوبته عوافي فما كان من «د. القصيبي» إلاّ أن داعب صديقه القديم بقصيدته المشهورة: أعبد الله يا شيخ القوافي ومرتجل البديعات الظراف هجرت الناس والدنيا وحيداً بعمّارية وسط الفيافي يفرقها عن العمران درب طويل ذو انعراج وانعطاف فلا هليكوبتر تفضي إليه ويشكو الجمس من طول المطاف فتغفو أنت في ظل ظليل وتمرك يانع والماء صافي واقرأ ألف معروض وشكوى وتقر أنت أشعار الرصافي سألت القوم عنك فأخبروني بأن الكهرباء غداً توافي فإن جاءت فكافئنا بشعر كضوء الحب في ليل الزفاف وفي بستانك المعمور أولِم المملكة تسابق الزمن اليوم لإنشاء محطات توليد كهربائية تُلبي الاحتياجات محطات الكهرباء مع بدء نظام منح الامتياز للمستثمرين وقبل إعلان شركة الكهرباء برأسمال عشرة ملايين ريال