استطاعت «فتاة القرية» أو «الريف» أن تلفت الأنظار إليها، وهي تتجاوز كثيراً من العقبات، والعادات، وثقافة «ما لها إلاّ بيتها»، وتتصل بعالم آخر كانت على موعدٍ معه مع «بنات المدينة»؛ لينهض الجميع في اصطفاف الوعي، والتحضّر، والمضي إلى الأمام المتجدد؛ بحثاً عن موقع للمسؤولية على تراب هذا الوطن؛ فلا غرابة أن نجد فتاة من قرية مغمورة تكاد لا تذكر على الخارطة ونجدها اليوم مبتعثة إلى أرقى الجامعات في العالم تدرس الطب، أو الهندسة، وتواصل دراساتها العليا، وتنافس الرجل، وربما تفوقت عليه في بعض التخصصات. لقد تغيّرت مفاهيم المجتمع تجاه «بنات الريف»، وتغيّرت نظرة الوالدين تجاههن، وبدأت رحلة البحث عن الحضور والمنافسة عليه، وتحديداً حين نجد فتيات يصلن إلى المدينة طمعاً في دراسة تخصصات ينشدها سوق العمل، أو فضلن العيش في سكن الطالبات في جامعات المدن؛ بحثاً عن موقع متميز في لا غرابة أن نجد فتاة من قرية مغمورة مبتعثة تدرس الطب أو الهندسة المستقبل..هكذا هنّ «بنات الريف»؛ لا ينقصهن شيء؛ علماً وخُلقاً ووعياً، وخرج من بينهن قدرات هائلة.. الطبيبة والممرضة والمعلمة والصحفية. ولم يتوقف تطور «فتاة الريف» على الصعيد العلمي فقط، بل استطاعت لفت بنات جيلها إلى مظهرها الخارجي من خلال مجاراتها ل»الموضة»، عبر دخول «التكنولوجيا» في القرى، وهو ما أحدثت نقلة في حياتها، وأصبحت تحاكي وتنافس وتقارن، ونجحت في ذلك، وأصبحت تبحث عما هو جديد، بل وتصمّم بنفسها أحدث الموديلات. تطور وإبداع وقالت «هدى العبدالله» -وكيلة سابقة لمجمع المريدسية للبنات التابع لمنطقة القصيم-:منذ أن التحقت بالعمل في المجمع لم أجد أي فارق بين طالباته والطالبات داخل المدينة، مضيفةً أنها كانت تعمل سابقاً في مدينة بريدة ثم انتقلت الى قرية «المريدسية» ثم إلى محافظة عنيزة، ولم تشعر أنها انتقلت من قرية إلى مدينة مطلقاً، لافتةً إلى أنه عند التحاقها بالعمل داخل المجمع توقعت أن تُشاهد ما كانت تحمله من معلومات عن الفتاة في القرية، وعن حياتها بوجه عام، لكنها ذُهلت مما رأته من انفتاح وتطور في كافة مناحي الحياة، مما أثلج صدرها. وأضافت أن الفتاة هناك مقبلة على التعليم، وأبدعت في مجال الأنشطة المنهجية واللامنهجية، كما أنها تشارك في تفعيل المناسبات والمهرجانات المختلفة على مدار العام بأعمال يُفتخر بها، إضافةً إلى مشاركتها في كافة المسابقات التي تنظمها المنطقة، حيث تحتل وبكل فخر مراكز متقدمة. روح المنافسة وأثنت «هند القرزعي» -رئيسة قسم نشاط الطالبات بمحافظة عنيزة سابقاً- على فتيات الريف من خلال عملها وإشرافها على مدارس تعليم البنات، مضيفةً أنها لاحظت تغيراً جذرياً طرأ على الفتيات في القرية، من خلال المشاركة في كافة الأنشطة، وكذلك حماسهن في إبراز مواهبهن، حيث أنتجن أعمالاً غاية في الدقة والجمال، مبينةً أن لديهن روح المنافسة وطرق كافة أبواب الفرص التي سكن الطالبات في جامعات المدن شاهد على «ثورة الوعي» والمضي إلى الأمام المتحضّر تثري مواهبهن،مؤكدةً على أنها تتبعت بنفسها كثيرات في مراحلهن الجامعية، حيث واصلن تعليمهن ونثرن إبداعهن بتميز، ومنهن من التحقت بمعاهد مهنية وكليات تقنية، ذاكرةً أن كثيرا منهن أكملن مشوارهن التعليمي وحصلن على «الماجستير» و»الدكتوراه» من داخل المملكة أو خارجها، حيث لم يعقهن عائق، وشققن طريقهن بكل اقتدار. وعي المرأة السلاح القوي للمضي إلى الأمام المتحضّر قلة وعي وذكرت «الجازي العتيبي» -فتاة- أن المفاهيم تغيرت لدى أفراد المجتمع في الوقت الحالي، بل وتغيرت نظرة الوالدين بالذات تجاه أمور كثيرة تتعلق بأبنائهم، سواء ما يخص التعليم أوغيره، مضيفةً أنه في السابق كان لدى الأغلبية قلة وعي في أهمية الدراسة للبنات، معللين ذلك أن لا مستقبل ينتظرهن كالبنين، مبينةً أن البعض يرى تزويج الفتيات في سن مبكرة، وآخرون يعتقدون أن خروج الفتاة من المنزل هو عيب ومناف للأخلاق -حسب نمط الأسرة السائد في ذلك الوقت-، مشيرةً إلى أنه أدت التنشئة الاجتماعية إلى حرمان الفتاة من التعليم ومن ممارسة حقوقها المشروعة، لكنها دافعت عن حقها في التعليم واستطاعت الوقوف في وجه التقاليد، وسعت إلى تطوير نفسها، مستغلةً ذكائها الفطري واستعدادها الطيب للتعليم، إضافةً إلى مساعدة الوالدين والأسرة في محاولة تقبل مواصلة تعليمها وتطوير نفسها، كما أن الأهل أصبح لديهم وعي بأهمية تعليم الفتاة وتشجيعها وعدم الوقوف في وجهها ضد تطوير نفسها في كل مجال. فتاة الريف تصل إلى المدينة طمعاً في مواصلة دراساتها العليا كافة المجالات وتمنت «الجازي» أن يمحو البعض الصورة السابقة من أذهانهم عن فتاة الريف، وأنها مُسخرة فقط للأعمال المنزلية، وأنها لا تعرف من أمور الحياة سوى الرعي والزواج المبكر والإنجاب، مضيفةً أن الفتاة أصبحت الآن مرموقة واقتحمت كافة المجالات، الطبيبة والممرضة والمعلمة والصحفية وغير ذلك من المهن، وأصبحت تشارك مع فتاة المدينة مشاركة فعالة في كافة المجالات التي تتفق مع الشريعة الإسلامية وعلى الوجه المطلوب، وتواصل مسيرتها بصورة متميزة. وقالت «فردوس سالم»-صاحبة مشغل-: في الآونة الأخيرة نجد أن فتاة الريف تتساوى مع فتاة المدينة في كل شيء، بل وتتفوق عليها أحياناً، مضيفةً أن مديرة المشغل الذي تملكه هي فتاة من الريف، وتعمل لديها منذ خمس سنوات، وحاصلة على العديد من الدورات التدريبية المختلفة، مشيرةً إلى أنها تعمل بجد ونشاط على الرغم أن المسافة كبيرة بين منزلها والموقع، إلى جانب إتقانها فنون الحاسب، وأسهمت بشكل كبير في تطوير المشغل من جميع الجوانب وفي كافة الخدمات، إضافةً إلى أنها تساعد العميلة وتشاركها في تحديد نوع الخدمة التي تناسبها، سواء فيما يخص تصميم الموديلات، أوتسريحات الشعر أو «الماكياج» وغيرها، مؤكدةً على أنها تثق بذوقها وأدائها في العمل، وهو ما أسهم في ثقة العميلات بالمشغل. فتاة القرية أصبحت تواكب الموضة وتبحث عن الجديد مجاراة الموضة وأكدت «أفراح الدهيمان» على أن فتاة الريف لم تكن تعرف عن «الموضة» شيئاً، حيث كانت الأم تتولى توفير ملابس ابنتها وما كان عليها إلاّ ارتداؤه، غير آبهة باللون أو الشكل أو مناسبته لعمرها، مضيفةً أنه لم يكن هناك من ينظر إلى رأيها في اللباس، إلاّ أنها أصبحت الآن بعد مواصلتها التعليم والاحتكاك بالفتاة في المدينة إلى جانب العنصر المهم وهو غزو «التكنولوجيا»، الذي أحدث نقلة في حياتها فجذبتها المدنية، وأصبحت تحاكي وتنافس وتقارن، وأصبحث تمثل الفتاة الجديدة، ذاكرةً أنها أصبحت نقطة تحول في حياة القرية في كل شيء، بما في ذلك «الزي»، مشيرةً إلى أنها حاولت الخروج عن المألوف وفق الضوابط الشرعية ونجحت في ذلك، وأصبحت تجاري الموضة وتبحث عما هو جديد، بل وتصمّم بنفسها أحدث الموديلات. إصرار وتحد وأوضحت «عبير الحامد» أنها تعرفت على العديد من الفتيات في قرى متعددة، حيث إن زوجها معلم في ثلاث قرى مختلفة، مضيفةً أنها لم تشعر بفارق بين الفتاة في المدينة أو القرية، مبينةً أنها دُهشت من نضجها وتطورها، ذاكرةً أنها أُعجبت بجارتها وهي طالبة جامعية، حيث أكملت تعليمها بعد زواجها، وأنجبت وهي لم تنه دراستها بعد، ورغم كل ما تعرضت له من متاعب صحية وإلى جانب أعمالها المنزلية ورعاية مولودها فقد أصرت على نيل الشهادة الجامعية فكان لها ذلك، لافتةً إلى أنها أُعجبت كذلك في كيفية ادارتها لشؤون منزلها، إلى جانب تنظيم وتنسيق المنزل والإلمام بقواعد «الاتيكيت»، كما أنها تملك جميع أدوات «التكنولوجيا» المتطورة وتجيد التعامل معها.