ميزانية هذا العام تضاعفت إيراداتها ومصروفاتها وسخاء الدولة بالإنفاق على البنى التحتية والتعليم والصحة والمياه والنقل العام وغيرها؛ أعمدة هذه الاعتمادات، ولاشك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله هو دائماً الموجه والحريص على التنفيذ للمشاريع الكبيرة، غير أن التقصير يأتي من «البيروقراطية» المتوارثة عندما تتعطل المشاريع وخاصة ما يمس حياة المواطن من إسكان وتوظيف وصحة وغيرها، بينما الملك عبدالله هو من جعل أمانة العمل في رقاب الوزراء، وقد كررها في مناسبات عديدة.. وإذا كانت الاحتياطيات الهائلة واستثمارها لتكون الرصيد لحالات الطوارئ وصندوقاً للأجيال القادمة، فإن الاعتماد على مورد واحد يضعنا أمام مسؤوليات أكبر، حيث إن الاهتمام بقطاع الطاقة، وخاصة الطاقة الشمسية والرياح وغيرهما يعتبر الخيار الضروري لأنه التعويض عن النفط ومستقبله كسلعة قد تتغير وفق ظروف دولية سواء بإنتاج طاقة مماثلة، أو حلول أخرى، ولعل الاستثمار الأمثل في بيئة مشمسة طول العام والذي يقدر الخبراء أن طاقة الشمس بالربع الخالي وحده تستطيع إمداد العالم بأسره باحتياجاته، يجعل التركيز على هذا المورد غير الناضب أحد التحديات التي تواجهنا، لأن الوصول إلى تقنيات اقتصادية لاستغلال الشمس سوف يضعنا في المرتبة الأساسية لهذا المنتج.. ثم يأتي الاستثمار بالإنسان وخاصة قطاع التعليم بمراحله المختلفة بحيث يعاد النظر بمسلّمات التعليم التقليدي إلى التقني باعتباره وسيلة العصر ومنجزه، لأن عالم المعرفة الذي بات ميدان السباق العالمي أدى إلى أن نتواصل مع محيطنا البشري، ولعل ما قامت به الدولة من منشآت وبعوث للخارج وتطوير الكوادر الوطنية يعد القيمة الفعلية لمنتج بشري على دراية تامة بالمنجز العالمي والحضاري.. إن توزيع عائدات الميزانية على المدن والقرى وبدون تمييز يخلق بيئة متوازنة بحيث لا تطغى جهة على أخرى، بل إن ذلك يوقف الهجرة للمدن الكبرى ويوسع دائرة العمل، والمملكة ذات المساحات الهائلة والتعداد السكاني المتزايد تستطيع أن تنتقل من نطاق الدول النامية إلى المتطورة إذا ما وجهنا طاقاتنا للتصنيع وجلب الخبرات والاستثمارات الخارجية وتوطين المنجز العلمي بحيث نصل إلى احتياجاتنا من القدرات الوطنية المتعلمة والمدربة.. لقد بشرت الميزانية بالعديد من المشاريع الاستراتيجية، لكن نجاحها مكفول باستيعاب هذه المبالغ وتوظيفها في مجالاتها الحيوية، ولعل النجاح الإداري بإدارة اتجاه هذه الأرقام يفترض ديناميكية بالتخطيط والتنفيذ، لا الإعاقة والتصرف بعقلية إدارية لا تتناسب وأهمية هذه المصروفات واتجاهاتها..