لماذا تُسنّ الأنظمة؟ وهل النظام سلطة لتنظيم حياة الناس أم أنه سلعة يمكن شراؤها بما يُسمى رسوم المخالفة ؟ منذ شريعة حمورابي والناس يعرفون أن الأنظمة تُسن من أجل ضبط السلوك العام بما يحقق المصلحة العامة، ويمنع التجاوزات حتى لا تنفلت الأمور، لكننا وفي إطار تطبيق آليات كثير من الأنظمة نجد أنها تحولت إلى وسائل جباية ليس أكثر، دون أن تسهم في منع المخالفات أو الحدّ منها على الأقل .. سأقول لكم كيف، وسأقتصر على بعض الأمثلة وبما تتيحه مساحة هذه الزاوية : (نظام ساهر) مثلا .. لا يزال يلبد في المنعطفات وخلف التلال على الطرق السريعة، وكأنه يستحث الناس على تجاوز السرعة حتى يصطادهم ويسجل عليهم المخالفة الواجب دفع قيمتها، بل كأن الغاية هي قيمة المخالفة وليست ضبط السلوك!. (الأمانات والبلديات) من جهتها حين تضبط المواطنين الذين يتجاوزون ببناياتهم الحد المسموح بتعدد الطوابق تطالبهم بسداد رسوم المخالفة دون إزالة المخالفة ذاتها. (موازين الشاحنات) على الطرق الطويلة تجبر سائقي الشاحنات على وزن حمولاتهم، وحين تجد أي زيادة في الوزن على الحد المقرر تطالبهم بدفع الغرامة ومن ثم المضي في حال سبيلهم ليواصلوا حفر الطرق وإفسادها بالحمولات الزائدة!. هذه نماذج فقط للأنظمة التي تحولت إلى سلعة بحيث يتم بيع المخالفة على صاحبها بما يسمى برسوم المخالفة، ومع هذا نجد من المسؤولين من يكاد يشد شعر رأسه بدعوى أن الناس لا يردعهم شيء، وربما فكروا بزيادة رسوم المخالفة، في حين أن العلة ليست في الناس وإنما في النظام نفسه، فالنظام الذي لا يمنع المخالف من الاستفادة من مخالفته لا يُمكن أن يُسمّى نظاما، بل هو إلى الجباية أقرب منه إلى النظام، لأن الذي يتجاوز السرعة ويصل إلى مبتغاه في الوقت الذي يريد لن يضيره أن يدفع قيمة المخالفة التي استفاد منها، كذلك الذي يبني أربعة أو خمسة طوابق في موقع لا يُسمح فيه بأكثر من طابقين سيجد أنه قادر باستثمار هذه الأدوار الإضافية على تعويض قيمة مخالفة البناء أضعافاً مضاعفة، والأمر نفسه ينسحب على صاحب الشاحنة الذي يضاعف حمولته إذ سيعوض قيمة مخالفته بثمن الحمولة الزائدة طالما أن النظام لن يطالبه بالعودة من حيث أتى . لذلك على واضعي هذه الأنظمة أن يدركوا جيدا أنه طالما هنالك من يستطيع أن يدفع قيمة المخالفة ويستفيد منها سواء بقدرته المالية كامتياز طبقي، أو بموازنة حساباته بين أرباحه وخسائره منها.. فستبقى وتتكرر إلى ما شاء الله .. لأن النظام حوّلها إلى سلعة وميزة للقادرين على دفع قيمتها أو حتى إسقاطها بالواسطة . المفارقة أن قانون كرة القدم - وهي لعبة - يبدو أكثر حزما من بعض أنظمتنا .. فالمهاجم الذي يتجاوز ببعض جسده مدافع الفريق الخصم حال قيام الكرة يمنعه القانون من الاستفادة من موقعه بحكم التسلل، أما في بعض الأنظمة التي يفترض أن تحمي وتصون حقوق الناس والوطن .. فلك أن تتسلل كما يروق لك، وأن تستفيد كما تشاء من ذلك التسلل طالما أنك تستطيع أن تدفع رسوم مخالفتك!! .. أليس هذا هو الواقع؟