عندما استدرج حماس الخطابة الرئيس ياسر عرفات أثناء قمة داكار كي يطلب من القادة إعلان الجهاد فوجئ بعدد من القادة يغادرون القاعة دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة نقاش الجهاد.. بالطبع لم يكن من السهل على شعوب في معظمها فقيرة ممزقة أن تنخرط في مجهول لا تعرف متى تعود منه إلى واقع جديد يطعم أجيالها.. كان الأمر أشبه ما يكون بمقولة العين بصيرة واليد قصيرة, ولم يكن من السهل على عدد قليل من شعوب لم يعد فيها غني على أي حال لكنها أفضل من تلك مثل المملكة العربية السعودية وماليزيا والكويت والإمارات والباكستان أن تجازف بما بقي في يدها من إمكانات شحيحة إذا قيست فقط بضرائب الوحدات السكنية مثلا في بريطانيا أو عائدات السياحة وحدها في فرنسا.. لكن كان يمكن أن يتوفر إصغاء كلي للرئىس عرفات وقتها وأن تتلاقى جهود فقراء مزمنين وأغنياء سابقين لتبني استراتيجية جهاد لو أن القمم عربية أو إسلامية كانت تعقد من أجل غايات استراتيجية بعيدة المدى أو أن طرح الغريب والعاطفي من الحلول لا يقصد به إحراج دول لا يراد لها أن تملك مرئيات خاصة مثل المملكة ومصر والكويت .. أمس الأول تحدث عرفات في قمة الدوحة بلغة استمع الجميع إلى نصف مضمونها باقتناع.. وبالتأكيد لا يستطيع أحد إلا أن يعترف بضرورة تبني عمل العاطل الفلسطيني وتبني تنمية الموجودات الاقتصادية الفلسطينية في مواقع سكنها وامتصاص الفائض من اليد العاملة داخل أسواق الدول العربية, وأن توظف رؤوس أموال عربية غايتها تنمية وجود مالي فلسطيني قادر على المقاومة.. هذا جزء بسيط من الجهاد يشكر عليه عرفات كثيرا , ولو تبنى آخرون صيغا عملية أخرى تتعلق بالأسواق الدولية وتعاملها مع الأسواق العربية وتفعيل معاهدات أمن ودفاع مشترك والسيطرة على نعرات الأقليات المتناغمة مع مصالح إسرائىل كما في لبنان لتم اعتبار ذلك استكمالا لجوانب أخرى من الجهاد.. ثم يدعم كل ذلك إيجاد هامش أوسع على الأرض للفدائي الفلسطيني كي يتحرك ضد غاصبي أرضه.. في كل ما سبق واضح أن المصداقية الذاتية هي رمز التجمع نحو جهاد لا يخذل فيه طرف الطرف الآخر أو يكذب عليه.. وأجزم بهذا الصدد أن المصداقية في المواطنة العربية تبعا لما هو مطلوب من حضور عربي أكثر صدقا وإخلاصا تتطلب أن تسمى الأشياء بأسمائها فمثلما هو مطالب أن ينفذ طرف إسرائىلي مواثيق للأمم المتحدة ومثلما هو مطلوب ردع عدوان إسرائىلي على أمن أرض فلسطينية فأتصور أنه لا يجوز إطلاقا القفز على كل مسببات ونتائج الغزو العراقي للكويت وتلخيصه وكأن كل ما بقي منه ليس إلا محاصرة الشعب العراقي.. من الذي يحاصر هذا الشعب..؟. أليست قيادته التي تتعامل معه كرهينة تزايد بها على المواقف, وهل الكويتي أو أي مواطن خليجي آخر هو كائن بدون ذاكرة كي ينسى ذلك الفرار الجماعي إلى جمر صيف الصحراء هربا من جيش عربي محتل..؟..