سوف تلاحظون من كل قراءاتكم أن مفردة الفساد التي برزت واشتهرت في أدبياتنا المعاصرة، ترتبط بشيء مرْوِيّ أو مسرود متصل بالإدارة المحلية (الحكومة)، أو منسوب لأعمالها (قصدي مشاريعها) أو قريب منها. وتفسير الفساد متحابك ومتشابك مع كل منتج قُصد منه إنجاز بُنية . لا أقول الجهاز الحكومي فاسد، وإن جاء من يقول بذلك فكلامه يحتمل الدقة أو يحمل الافتراض . إلى زمن ماض ليس بالبعيد، كانت التجارة في بلادنا وفي غيرها تعتمد على الحدس والفراسة بالسلعة والسوق والمعروض والمطلوب. أما الآن فلها قواعد غريبة وطرق شائكة وتمهيد واتصالات ومعرفة بمن يستطيع ومن لا يستطيع. التجارة والثراء - والحال هكذا - يحتاجان إلى قاموس أو فهرسة جيدة لما يجب قوله، وما يجب الابتعاد عن قوله. من أراد النجاح المادي والأدبي فليبدأ بتأليف قاموس أو معجم صوتي.. ليس كالمعاجم الأخرى وسيكون الأول من نوعه وسوف يلاقي الرواج وتتهافت عليه دور التوزيع والنشر لتكرار طبعاته بأشكال مختلفة منها العادية ومنها الممتازة.. هذا القاموس أو المعجم الذي أتحدث عنه اسمه «قاموس مصطلحات المناقصات» وإن أردنا سجعاً جمالياً يمكن أن نضيف عبارة «في لغة إدارات المشتريات». أنا شخصياً لا أفهم عن ماذا يتحدث صديقي على الهاتف مع طرف آخر عندما أكون في زيارة أحد الأصدقاء من رجال الأعمال. فهو ينظر إليَّ تارة وإلى الجداول التي أمامه تارة أخرى، ويدور كرسيه تارة نحوي وتارة نحو الشباك وتارة أخرى نحو الجدار فلا أستطيع أن أرى منه إلا ظهره.. ولا أزال في دوامة.. لا أعرف ما يقول أو ما ينوي أن يعمل. وأكرر القول بأنه لا شيء في الوجود مستحيلا، فالذي علم سليمان لغة الحيوان قادر على أن يعلمك لغة المناقصات. لغة المناقصات في رأيي لا تبتعد كثيراً عن لغة الإنسان!.. وأهم ما في تلك اللغة قدرة أصحابها على التخاطب عن بعد (التيليباثي TELEPATHY فكثير من المشاكل (الحيوية) يجري حلها ذهنياً بين الأطراف. ولهذه اللغة رموز الضوء الأخضر والإشارات التحذيرية، كما وأن لها تعبيرات عن مشاعر الابتهاج والرضا والقلق والخوف وقلة الصبر والكآبة والاضطراب. بدون وجود قاموس أو معجم صوتي لن تستطيع فهم تلك اللغة أو التقاط إشاراتها حتى لو التقطتها فلن تستطيع ترجمتها لأن بعضها أصوات أنفية لايمكن حتى كتابتها فكيف بترجمتها، كما أنها تتضمن نظاماً عجيباً ومركباً تختلط فيه الأصوات والحركات الإيمائية.. وفي مقدمة القاموس لا تنسَ أن تجري بحثاً ولو قصيراً تثبت فيه ماذا تعني تلك الحركات الإيمائية والأصوات وحركات العيون والجفون. وأن تلك الحركات مهمة لأنها تحمل معلومات غاية في الخطورة والتنوع وتتعلق بأهم إشكالات الحياة التجارية ونشاطاتها. الثقافة المعاصرة تكتسح اليوم كل شيء وإن لم تتمكن من طبع قاموسك - لضيق الحال - فحتماً ستجد من يشتري منك حق نشره (لكي لا يُنشر)..