أكدت أحدث البيانات الاقتصادية التي صدرت الأسبوع الماضي تواصل الأداء القوي للاقتصاد السعودي في الربع الثالث لعام 2012، حيث نما الاقتصاد بالقيمة الفعلية (معدلة وفقاً لتغيرات الأسعار) بنسبة 5,87 بالمائة مقارنة بمستواه في نفس الربع من العام الماضي. ويعود هذا الأداء الرفيع إلى النمو القوي في القطاع الحكومي غير النفطي. نمو القطاع الخاص يحتفظ بقوته مدعوماً باستثمارات القطاع الحكومي وزيادة الطلب الداخلي ارتفاع مساهمة القطاع الحكومي حقق الاقتصاد السعودي في الربع الثالث نمواً سنوياً بنسبة 5,87 بالمائة متفوقاً على مستوى نموه في الربع الثاني الذي كان عند 5,5 بالمائة، لكن معدل النمو هذا يقل عن المستوى الذي كان عليه في الربع الثالث من العام الماضي. كذلك تغيرت محفزات النمو الرئيسية، فبينما كان القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو في الربع الثاني من العام الجاري والذي ساهم بنحو 3,2 نقاط مئوية تقلصت مساهمته إلى 2,4 نقطة مئوية في الربع الثالث، وبالمقابل قفزت مساهمة القطاع الحكومي إلى 2,8 نقطة مئوية في الربع الثالث مقارنة ب 0,9 نقطة مئوية خلال الربع السابق. وقدم قطاع النفط أقل مساهمة لم تتعد 0,7 نقطة مئوية. شكل القطاع الحكومي المحرك الرئيسي لنمو الناتج المحلي للقطاع غير النفطي، حيث نما القطاع الحكومي غير النفطي بنسبة 12,2 بالمائة على أساس سنوي مسجلاً أعلى نمو بين القطاعات في الربع الثالث. وقد جاء معظم هذا النمو من ارتفاع الخدمات الحكومية التي نمت بنسبة 13,4 بالمائة على أساس المقارنة السنوية. ورغم أن هذا الأداء القوي يعكس تحسناً في الخدمات الحكومية، لكن ما يثير الاستغراب هو تحقق هذا النمو في الربع الثالث الذي يميل فيه النشاط الاقتصادي عادة إلى التباطؤ النسبي مقارنة ببقية العام. ونتوقع أن ينعكس هذا النمو في الخدمات الحكومية على زيادة الإيرادات غير النفطية في ميزانية الدولة المنتظر صدورها في غضون الاسبوعين القادمين. ارتفاع القروض المصرفية وجاء النمو في القطاع الخاص غير النفطي متوافقاً مع النمط الموسمي المعتاد لهذا القطاع، حيث تباطأ نموه السنوي الكلي إلى 5,1 بالمائة في الربع الثالث مقارنة بمعدل نمو 6,4 بالمائة للربع السابق. ويعزى تباطؤ النمو إلى مستويات النمو التي تمت المقارنة بها، حيث سجل القطاع الخاص نمواً سنوياً بلغ 8,8 بالمائة في نفس الفترة من العام الماضي. ورغم هذا التباطؤ، ظل نمو القطاع الخاص قوياً بفضل الدعم من استثمارات القطاع الحكومي ومعدل الطلب الداخلي القوي وارتفاع القروض المصرفية. وسجلت جميع القطاعات نمواً سنوياً إيجابياً في الربع الثالث، لكن أداءها جاء متبايناً. احتل قطاع النقل والاتصالات المرتبة الثانية من حيث النمو مسجلاً نمواً سنوياً بنسبة 8,7 بالمائة، ويعود ذلك الأداء القوي إلى الحاجة لترحيل بضائع ضخمة حول مختلف مناطق المملكة (الواردات ومواد البناء) فضلاً عن الزيادة في نشاط الاتصالات المتنقلة وخدمات البيانات. كذلك سجل كل من قطاعي المرافق العامة والتشييد نمواً سنوياً قوياً يتسق مع النمط الموسمي المعتاد لهما عند 8,4 بالمائة و 8,1 بالمائة على التواليِ، ونتوقع لهذا الأخير المزيد من النمو خلال الربع الرابع مقابل بعض التباطؤ بالنسبة للأول. أيضاً، حافظ قطاع تجارة الجملة والتجزئة على نمو قوي (7,2 بالمائة)، وإن كان بوتيرة أبطأ خلال هذه الشهور التي تصادف فصل الصيف مقارنة ببقية العام. وينتظر أن يسجل هذا القطاع نمواً أقوى على نهاية العام، كما يشير إلى ذلك زيادة قيمة السحوبات النقدية من ماكينات الصرف الآلي ومعاملات نقاط البيع خلال الشهور القليلة الماضية. أما معدل النمو بالنسبة لقطاع التصنيع فقد تباطأ إلى أدنى مستوى له على مدى الفترة التي تتوفر عنها بيانات، حيث لم يتعد نموه السنوي نسبة 2,5 بالمائة، ويعود هذا التباطؤ في اعتقادنا إلى تراجع الطلب الخارجي على البتروكيماويات. حجم مساهمة قطاع النفط أما على أساس المقارنة الربعية، فقد نما الاقتصاد بنسبة 6,85 بالمائة مقارنة بنسبة نمو عند 5,7 بالمائة في الربع السابق، ويعود معظم هذا الأداء إلى قطاع النفط الذي نما بنسبة 28,7 بالمائة. وفي الواقع، تظل العوامل المحفزة لنمو قطاع النفط على أساس ربعي محيرة كما أشرنا إلى ذلك في تقاريرنا الماضية. ففي حين يتوقع الشخص أن يكون حجم إنتاج النفط هو المحرك الرئيسي لأداء هذا القطاع نجد أن السبب وراء النمو القوي في الربع الثالث غير واضح ولا يرتبط بإنتاج النفط، حيث تشير آخر البيانات الصادرة عن المبادرة المشتركة لبيانات النفط إلى أن إنتاج النفط السعودي تراجع على أساس ربعي بنسبة 2,3 بالمائة في الربع الثالث. وبما أن معدلات النمو في إنتاج النفط ستتباطأ خلال الربع الجاري بسبب المقارنة بمستويات مرتفعة تحققت في الأرباع السابقة وأيضاً نتيجة لخفض الإنتاج، فمن المتوقع أن يتقلص حجم مساهمة قطاع النفط في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وسجل القطاع غير النفطي نمواً طفيفاً نسبته 0,1 بالمائة على أساس ربعي، جاء معظمه بفضل الأداء القوي للقطاع الحكومي غير النفطي الذي نما بمعدل 3,7 بالمائة بينما تراجع القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 1,7 بالمائة. حقق قطاع المرافق العامة أفضل معدل نمو ربعي بلغ 16,4بالمائة، وهو نمو مستحق في ظل الزيادة الموسمية في الطلب على الكهرباء من شريحتي المساكن والمحال التجارية على حد سواء نتيجة للاستخدام المكثف لأجهزة التكييف خلال الربع الثالث. بالمقابل، تباطأ نمو قطاعي التشييد والنقل والاتصالات في الربع الثالث جراء الارتفاع في درجات الحرارة. وجاء النمو منذ بداية العام وحتى تاريخه متفقاً مع توقعاتنا عند 5,8 بالمائة. ونتوقع أن يأتي الأداء الاقتصادي متبايناً في الربع الرابع، فمن ناحية سيبقى إنتاج النفط على الأرجح عند مستواه الحالي مع احتمال بعض التراجع في معدل نموه السنوي، ومن ناحية أخرى نتوقع أن يحافظ القطاعان العام والخاص على حد سواء على أدائهما القوي ما من شأنه أن يدفع بالنمو إلى معدلات أعلى. وفي الحقيقة، هناك مؤشرات رئيسية تشير إلى نمو قوي خلال الربع الرابع لقطاعات التشييد، والتجزئة والنقل والاتصالات. إضافة إلى ذلك، سجل نمو القروض المصرفية على أساس المقارنة السنوية أعلى مستوى له خلال ثلاثة أعوام في أكتوبر كما أن استطلاعات الشركات تشير إلى توسع في القطاع الخاص. وعلى ضوء متانة المعطيات الأساسية لاقتصاد المملكة وبرغم من زيادة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي من جهة أخرى، فإننا نبقي على توقعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للعام 2012 عند 5,8 بالمائة.