في سنة 1761 م أرسلت الدانمرك كارستن نيبور من أصل الماني ضمن فريق مكون من ستة علماء في رحلة علمية واستكشافية شملت القسطنطينية ومصر وشبه الجزيرة العربية (العربية السعيد) غيبهم الموت جميعا قبل استكمال الرحلة ما عدا نيبور الناجي الوحيد الذي أدعى بعض حساده والمنافسون له أن موت زملائه أودى بثمار الرحلة والابحاث كافة، لكن ما إن دون رحلته عن شبه الجزيرة العربية حتى سارع العلماء البارزون إلى مدحه والثناء عليه حتى عدت رحلته تلك من أعظم الرحلات وأكثرها فائدة ورغم كلما ذكر من سلبيات وعيوب العرب الا انه انصفهم بالنهاية بمقولته المشهورة (إن العرب لا يقلون إنسانية عن الامم الاخرى التي تدعي الادب والتهذيب). أثناء مروره بمدينة زبيد وهي المدينة الأكبر بمنطقة تهامة والأكثر خصوبة ومقر المدرسة الإسلامية ذائعة الصيت التي كانت تدرس العلوم السنية ويفد لها الطلاب من اليمن وعسير وكافة المناطق المحيطة كان قد التقى رجلا غريب الأطوار من أهالي زبيد كان كثير الشتم لابنه الا ان نيبور التقط من شتائمه المتلاحقة بعض المعاني الواسعة لكلمات مثل (أبو .. وأم .. وابن ) في لغتنا، فقال بداية عن هذا اللقاء (رحلة إلى شبه الجزيرة العربية ) : لم التق بين المسلمين كافة بعربي أكثر فخرا من ذلك الذي التقيت به في نزل زبيد. ولقد كان يعتاش من التجول في البلاد على حساب أثرياء الدين, وكان قد زار الحبشة ومصر وسوريا بهذه الطريقة وكان شريفا من الشرفاء ويسبغ على نفسه صورة الاسياد العظام . ظننت في البداية أن حديثه سيعود علي بالفائدة لأنه قد زار الكثير من المدن لكنه لم يستطع إخباري بخصائصها وجلّ ما استطعت أخذه من حديثه هو أن الشيوخ وأصحاب الدولة والباشاوات وغيرهم كانوا يكرمونه خير إكرام عند ما يحل عليهم لأنه شريف سيد من الدرجة الاولى. وكان يؤكد لأصحابه أنه يتكلم التركية والايطالية والفرنسية واللغة الحبشية لكنني وجدته لا يعرف من اللغات الثلاث الأولى الا شتيمة أو بعض الكلمات التي يسمعها من الأوربيين والأتراك الذين يمرون البلاد وبدلا من أن يقوم المسافر كما في أوربا باستئجار غرفة مفروشة في النزل, عليه أن يكتفي بأن يستأجر لكل شخص كرسيا أو سريرا يجلس عليه أثناء النهار وينام عليه أثناء الليل. ولان الشريف السابق الذي لم يكن معه ما يكفي من المال لاستئجار سريرين له ولابنه والبالغ من العمر اثني عشر عاما ادعى انه يفضل أن ينام ابنه بجواره في السرير نفسه لأنه يخشى عليه أن ينام وحده، وكان يرسله احيانا ليقول للخدم أن يقوموا بمهمة ما الا اننا اكتشفنا أن الصبي المسكين كان يؤديها بنفسه لأن الشريف لم يكن عنده أي خادم, أما عن زوجته المسكينة فكان يناديها بلقب (شريفة) وقد حكى لي بالتفصيل عن اصلها وفصلها بعد ما فصل لي شجرة عائلته بالطبع وذلك لإخباري أن أحدا من اسلافه الذين يصلون إلى علي بن ابي طالب لم يتزوج امرأة من عامة الشعب, كان يحتقر نسب شرفاء تركيا وأسياد اليمن لأنهم تزوجوا من نساء غربيات, وكنت سألت تركياً يوما اذا كان باستطاعة أبن احد الشرفاء من أم أمة أن يحافظ على لقب الشرف فقال لي ان عراقة هذا الابن تفقد جزءا من قيمتها فتصبح تماما كقطعة الذهب المخبأة داخل خرقة من القماش البالي. الا ان، الشريف الذي كنت بصحبته بمدينة زبيد أخبرني أن هذا التشبيه ليس صحيحا، وكان ينادي ابنه بالشريف أحمد لكن عند ما يخرج الولد من طوعه يسميه كلب بن كلب, وعند ما سألته اذا ما كان يسمح للشرفاء بالتفوه بكلام كهذا قال لي ان ذلك لا يؤثر أبدا على العراقة. كلنا يعرف أن اسم ( أبو ) لا يعني بالضرورة والد، يسمي العرب رجلا له شاربان ( أبو شوارب ) مثلا , و( أبو حمار ) رجلا يملك حمارا , كذلك يسمون المرأة التي تبيع الزبد ( أم الزبد ) وعلى الطريق بين البصرة والزبير هناك مكان سقط فيه حمار مرة فأوقع حمولته من الحنطة في الماء. رسم لفتاة تجمع البن بتهامة ( من الرحلة )