(بشعة النار) هي محكمة عرفية عليا عرفت عند العرب للفصل في بعض القضايا والجرائم الكبرى التي يتهم فيها طرف أنكر فعلته ولا يجد له القضاة العاديون تفسيرا فيخضع عندئذ إلى(الملحّس) وهو قاضي البشعة الذي يلزمه بلعق قطعة من الحديد أحميت في النار حتى الاحمرار تسمى(البشعة) وعلى قدر إصابة لسان المتهم يحكم القاضي بالبراءة أو الادانة ويعتبر الحكم في هذه الحالة نهائيا وغير قابل للطعن أو التشكيك ويطلق عليها أيضا (نار ابن عمار) نسبة إلى احد قضاتها المشهورين من قبيلة حرب بالمدينة المنورة والذي يتولى هذا المنصب بالوراثة،وهذه المحاكم وان كانت النتائج تأتي في الغالب طبقا للواقع والحقيقة فان أقرب تفسير علمي للسبب الذي يجعل لسان المتهم يصاب أو لا يصاب بالحرق هي درجة(جفاف اللسان)التي تحددها حقيقة التهمة من عدمها. وفي حديثه عن هذه المحاكم يذكر المستشرق الألماني جون هيس (بدو وسط الجزيرة) ضمنيا ان أغلب القضايا التي ينظرها(الملحّس) هي القضايا المتعلقة بجرائم القتل ويسبق ذلك بمقدمة عن قوانين طلب الحماية في بادية نجد ويضرب مثالا عند ما يقتل بدويا آخر يقوم طالب الثأر بملاحقة القاتل،فيطلب القاتل الحماية عند عشيرة مرموقة،فاذا ما حصل على الحماية المطلوبة من الشخص الذي لجأ إليه(تدوم الحماية تلك 14 شهرا فقط) يركب هذا الأخير على فرس أو ناقة أو جمل ركوب ويركب معه جماعة من أبناء عمومته ويذهبون إلى أهل الرجل المقتول ثم يحذرونهم كلا بمفرده من التعرض بأي أذى للقاتل أو أفراد عائلته بحيث يقولون لهم: اسمعوا يا ذوي فلان نحذركم من التعرض لذوي فلان تراهم في وجه بن فلان(اسم الحامي) والله على ما نقول شهيد. بعد ذلك لا يتركون أحدا من الأقرباء إلا ويخبرونه بموقفهم هذا،في بعض الأحيان يفر اثنان أو ثلاثة من أقرباء القتيل عمدا ويختبئون عند أصدقاء لهم أو في منطقة نائية لكي لا يسمعوا أي شيء عن علاقة الحماية ولا يعرفوا من هو المحمي من عشيرة القاتل،ثم يبدؤون بملاحقة أفراد العشيرة المسئولة عن جريمة القتل في الليل أو النهار،يذهبون إلى الأماكن التي ترعى فيها القطعان وإذا ما رأوا رجلا هناك يقتلونه،ولا ينفذون عملية القتل في النهار الا إذا جاء مستطلع وأخبرهم بأن الشخص المطلوب موجود مع القطعان في المراعي أو طريق السفر،عندئذ يذهبون لملاقاته ويقتلونه. في اغلب الأحيان يهاجمون الشخص المطلوب في خيمته تحت جنح الظلام.. في هذه الحالة يتسللون إلى قرب الخيمة ثم يرسلون واحدا منهم أكثر شجاعة وبراعة في تنفيذ المهام الليلية فيتسلل إلى داخل الخيمة والخنجر في يده وإذا ما رأى الشخص المطلوب نائما يضع الخنجر على صدره ثم يوقظه ويقول له:أريد الثأر لفلان ثم يطعنه بالخنجر ويعود إلى رفاقه،بعد ذلك يهربون ويطلبون من رجل ما الحماية بأن يقولوا له:(شف ترانا في وجهك) بعد ذلك يذهبون مع هذا الرجل إلى القاضي الذي يعلن رجلا مقابل رجل والقضية انتهت. وفي حالات القتل الغامضة التي يكون فيها طرف متهم،يذكر ان ذوي المقتول يذهبون إلى المتهم أولا فإذا ما أنكر طلب منه أداء القسم أمام مجلس القبيلة لان (القسم الكاذب قضية خطيرة جدا)تماثل خطورة القتل نفسه وان رفض أداء القسم بحسب قول (هيس) يقولون له على الفور تعال معنا إلى(نار ابن عمار) وهو قاضي النار الذي يسمى (ملحس) لأنه يطلب من المدعى عليه لحس الحديد الحامي ،ويسمى هذا الاختيار اختيار النار. يأتون إلى ملحس فيطلب دفع رسم قدره أربعونبا ريال ويشترط بقاء المدعى عليه تحت حمايته أي حماية الملحس فيما لو ظهر انه مذنب حتى يصل إلى ذويه،أما رسم الدعوى فيدفعه الطرف الذي تكون الحقيقة إلى جانبه ويصدر الحكم لصالحه . بعد ذلك يضع الملحس الحديد في النار حتى يصبح أحمر وتكون قطعة الحديد بعرض أصبعين بعد ذلك يجلب ماء ويعطيه للمدعى عليه لكي يتمضمض ثم يلحس الملحس الحديد الحامي بلسانه حتى يشجع المدعى عليه بعدها يقول له مدّ لسانك خارج فمك .!! فيمد لسانه عندئذ يضرب الملحس الحديد المتقد مرتين مرة بالجهة الأمامية ومرة بالجهة الخلفية،يعطيه بعد ذلك ماء فيملأه ويبقيه فترة قصيرة،بعد ذلك يبصق الماء ويمد لسانه للمعاينة. فإذا كان هذا الذي قتل الرجل المعني فان النار تبين ذلك على شكل فقاعات تظهر على لسانه وان كان بريئا لا يظهر أي شيء. وفي حال كونه بريئا يطلب الملحس تطبيق شرطه السابق بأن يبقى المذنب عنده وفي حمايته حتى يسلم لأهله أما ان كان بريئا فينصرف الطرفان معا إلى ديارهم .