أول مرة أركب فيها سفينة ضخمة (ضخمة فعلا فعلا) كانت أثناء رحلتي من ألمانيا الى الدنمارك عام 1999.. لم أكن أعلم أن خط الرحلة يتضمن سفينة من أي نوع، ولكنني لاحظت منذ البداية شيئا غريبا في محطة قطارات برلين.. لاحظت أن القطار الذي سأستقله قطار "رأسي" يتكون من طابقين وثلاثة الأمر الذي جعله يبدو أقصر من القطارات التقليدية. وبعد مسافة طويلة دخلت في غفوة عميقة أفقت منها فجأة حين توقف القطار وبدأ الركاب في النزول.. ولأنني أعلم أننا لم ننهِ كامل الرحلة نظرت من الشباك فرأيت أمرا غريبا.. اكتشفت أننا دخلنا ما يشبة الصهريج الضخم وحولنا أعداد هائلة من الشاحنات التي بدت واضحة رغم ظلمة المكان.. لم أفهم أين دخل القطار، ولكنني على أي حال نزلت مع الركاب، وصعدت خلفهم سلالم متحركة كثيرة. وحين وصلت الى سطح السفينة أدركت وقتها فقط أننا داخل عبارة بحرية ضخمة يتسع حجمها لدخول القطارات وعشرات الشاحنات والسيارات العائلية.. كان وجودها ضروريا لقطع المسافة البحرية القصيرة داخل الدنمارك ذاتها، حيث تنطلق العبارة من ميناء نايبورج باتجاة الجزيرة التي تضم كوبنهاغن العاصمة. كان المنظر من سطح السفينة جميلا ورائعا غير أنني لم أستطع المكوث طويلا بسبب هواء البحر البارد فقررت النزول لاستكشاف الطوابق السفلية (فرأيت عجبا).. رأيت أسواقا ومطاعم وفنادق وصالات سينما ومكاتب خدمات في الأدوار العلوية، في حين خُصّصت الأدوار السفلية لحاويات الشحن ونقل السيارات والبضائع.. باختصار شديد شعرت أنني داخل مدينة عائمة لا ينقصها شيء، بما في ذلك مهبط المروحيات في أعلاها ومحطة القطار في أدناها.. وحين تعبت من المشي دخلت أحد المطاعم فرأيت من شرفته الزجاجية الطرف الآخر من البر فتركته وخرجت للبحث عن قطاري المخادع.. وحين وجدت القطار دخلته وحدي وبقيت منتظرا حتى حضر بقية الركاب فبدأ بالتحرك والخروج من الطرف الآخر للعبارة، مكملا طريقه نحو كوبنهاغن!! ومن الدنمارك وصلت الى السويد وفنلندا حيث تعرفت على سفن أكثر ضخامة (بل واستأجرت في إحداهن غرفة فندقية أثناء إبحاري من ستوكهولم الى هلسنكي.. كما فصل في مقال بعنوان: كيف تزور فنلندا ب 250 ريالا فقط)!! .. وتجربتي مع هذه السفن جعلتني لا أستبعد بناء سفن أكثر ضخامة في المستقبل تشكل مدنا مستقلة فوق البحار. وفي الحقيقة يكفي التذكير بمطارات اليابان العائمة وأن مليون سائح يقومون كل عام برحلات بحرية حول العالم يتمنون لو تستمر للأبد.. ومن آخر الأفكار التي سمعت عنها بناء مدينة عائمة تسافر حول العالم بشكل مستمر.. وهذه المدينة (التي تدعى سفينة الحرية) تضم منازل وشقق ومدارس ومستشفيات ومجمعات تجارية، ومطار في أعلاها يستقبل طائرات البوينغ والايرباص، وأسفلها بميناء تجاري يستقبل سفن التموين واليخوت الخاصة (يمكنك مشاهدتها في صور جوجل بإدخال هاتين الكلمتين freedom ship)!! .. وما أراه عموما هو أن "المدن العائمة" ستكون من السمات المميزة للقرن الواحد والعشرين.. ففي ظل الشعور المتنامي بالعولمة - واختلاط الثقافات وذوبان الهوية - لا أستبعد ظهور مجتمعات بحرية لا ينتمي أطفالها لأي دولة أو قومية. وشيئا فشيئا قد تتحول هذه المجتمعات الى دول بحرية تنمو بمرور الوقت، خصوصا في ظل قدرتها على مضاعفة مساحتها بسرعة من خلال (شبك) المزيد من الطوافات التي تتميز بسعرها الزهيد!! .. سعرها الزهيد مقارنة بسعر المتر في رمضاء الرياض!؟