التطور الدلالي من الموضوعات المهمة في علم الدلالة، واللسانيات الحديثة، ويكشف عن جانب مهم من حياة اللغة التي لايمكن أن تعيش مهما بلغت من الغنى، إلاّ باستعمالها وتداولها على ألسنة أهلها والنّاطقين بها، ووصْل حاضرها بماضيها، ويحتاج المتكلمون بها - مع تطور الحياة وزيادة الاكتشافات والاختراعات - إلى ابتكار ألفاظ جديدة يعبرون بها عن معانٍ جديد لم تكن معروفةة من قبل، وبذلك تكون هذه الحاجة من أهم العوامل التي تؤدي إلى تطور الدلالة، فالمتكلمون بلغة من اللغات عندما يستجد لديهم معنى جديد لم يكن معروفاً من قبل، يحاولون تعيين دالٍ له من ذخيرتهم اللفظية القديمة. وقد أدت كثرة استعمال ألفاظ دون غيرها إلى تطورها، فالاستعمال من أكثر أسباب التطور الدلالي أهمية، وهذا شائع في كل اللغات؛ وذلك لأن العوامل الاجتماعية والتغيرات الحياتية التي تواكبها اللغات تفرض ذلك. التطور الدلالي من الموضوعات المهمة في علم الدلالة، واللسانيات الحديثة، ويكشف عن جانب مهم من حياة اللغة التي لايمكن أن تعيش مهما بلغت من الغنى، إلاّ باستعمالها وتداولها على ألسنة أهلها والنّاطقين بها، ووصْل حاضرها بماضيها مِنْ مَظَاهِرِ الّتطَوْرِ الدَّلَالِيّ : - رقي الدلالة : وهو التغيير المتسامي بتغيير معانٍ كانت عادية أو ضعيفة أو وضيعة إلى معان قوية أو شريفة، مثل : - كلمة رسول : كانت تعني المرسَل، ثم شرُف معناها لتدل على الواحد من رسل الله . - كلمة السُّفْرة: كانت في الأساليب القديمة تعني بعض الطعام الذي يحمله المسافر، ومن هذا المعنى كانت تسميتها ، ثم أصبحت تدل اليوم على المائدة وما عليها من أصناف الطعام . - كلمة العَفْش: رُذال المتاع، وفي وقتنا الحاضر يُطلق على الغالي النفيس من الأثاث، وغير النفيس . - كلمة القماش: كانت تدل على ما يتناثر من متاع البيت، أو ما على الأرض من فتات الأشياء، ثم أصبحت تدل على نوع من النسيج المتقن الصنع. - تخصيص الدلالة أو تضييقها : هناك ألفاظ تدل على العموم أو على الأجناس فتحدد وتخصص دلالتها بقصرها على نوع معين أو على فرد معين، حتى تصبح كأنها علم عليه، فالأعلام هي أقصى درجات الخصوص. ولسبب ما تتطور دلالة اللفظ من العموم إلى الخصوص، ويتضح في : - كلمة الحَج، إذ كانت تعني القَصْد، فكان يقال: حَجَّ إلينا فلان، أي قَدِمَ، وحججت فلانًا، أي: قصدته، ثم استقر استعمالها في القصد إلى مكة للنُّسك والحج إلى البيت خاصة ،، وكلمة الصوم كانت تعني الإمساك عن الكلام يقال للصَّمْت صوم؛ لأنه إمساك عن الكلام، وفي قصة مريم - عليها السلام - شاهد على ذلك : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلن أكَلّمَ الْيَوْمَ إنْسِيَا) مريم: 26 . ومثل ذلك كثير من الألفاظ التي استجدت عند مجيء الإسلام، ثم تخصصت الكلمة وصارت تعني شعيرة الصوم ؛ وهي الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات لساعات معلومة في شهر معلوم . - بلدة شاغرة: ... وشغرت الأرض والبلد أي خلت من الناس ولم يبق بها أحد يحميها ويضبطها. يقال: بلدة شاغرة برجلها إذا لم تمتنع من غارة أحد، وأصبحت اليوم خاصة بالوظائف التي لا يشغلها أحد ، فنقول : وظيفة شاغرة . - الجالية : يقال استعمل فلان على الجالية، وهم أهل الذمة، وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لأن النبي أجلى بعض اليهود من المدينة ... فسمُوا جالية ... للزوم الاسم لهم ، وإن كانوا مقيمين بالبلاد التي أُوطِنوها. وقد تخصصت الدلالة اليوم، فصارت الجالية تعني الجماعة من الناس التي تنتمي لجنسية أو بلد معين، وتقيم في غير بلادها، كما نقول الجالية الهندية، أو اليمنية، وغيرهما - يقال للسطر من النخيل: أسلوب. وكل طريق ممتد، فهو أسلوب، والأسلوب الطريق، والوجه، والمذهب، يقال: أنتم في أسلوب سوء، والجمع أساليب. والأسلوب، بالضم: الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه، وصارت الكلمة اليوم تعني في الغالب : أسلوباً في الأدب؛ وهو الطريقة التي يسلكها الأديب، للتعبير عما يجول في ذهنه من أفكار ومعانٍ ، وما يختلج في قلبه من مشاعر وأحاسيس. - تعميم الدلالة أو توسيعها : وهو أن تتغير دلالة الكلمة التي كانت تُطلق على فرد، أو أنوع معين، أو حالة خاصة، فتصبح تطلق على أفراد كثيرين، أو على الجنس كله، أو على حالات عامة : - السمسار: الذي يبيع البرّ للناس. وفي الحديث، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سماهم التجار بعدما كانوا يُعرفون بالسماسرة، والمصدر السمسرة، وهو أن يتوكل الرجل من الحاضرة للبادية فيبيع لهم ما يجلبونه، وأصبحت الكلمة اليوم تدل على الشخص الذي يعمل وسيطاً بين البائع والمشتري، وكذلك كل من يوفر للآخرين ما يريدون شراءه أو استئجاره من عقار أو سلع أو سيارات، وغير ذلك. - السفير: الرسول والمصلح بين القوم، والجمع سفراء، وقد سفر بينهم يسفر سفرا وسِفارة وسَفارة: أصلح. وفي حديث علي أنه قال لعثمان: إن الناس قد استسفروني بينك وبينهم أي جعلوني سفيرا، وهو الرسول المصلح بين القوم. يقال: سفرت بين القوم إذا سعيت بينهم في الإصلاح، وصارت الكلمة اليوم تعني : الممثل السياسي لدولة في عاصمة دولة أخرى، جمع : سفراء . - الإضراب : وأضربت عن الشيء: كففت وأعرضت، والمضرب: المقيم في البيت، وأضرب الرجل في البيت: أقام، وأصبحت اليوم تحمل دلالة أوسع ؛ إذ تعني توقف العمال عن المضي في العمل المتفق عليه ، أو انقطاع الموظفين عن العمل والبقاء في الشارع للمطالبة بأمر من الأمور الحياتية، ويأتي على رأسها زيادة الأجور. - المضاربة: في القديم : أن تعطي إنساناً من مالك ما يتّجر فيه على أن يكون الربح بينكما، أو يكون له سهم معلوم من الربح. وكأنه مأخوذ من الضرب في الأرض لطلب الرزق ، والمضاربة في العصر الحالي تكون في سوق الأوراق المالية، وتعني " المخاطرة ببيع وشراء أسهم في الشركات الكبرى بناء على توقع تقلبات الأسعار بغية التكسب من فارق الأسعار". - (قيصر) اسم علَم لأحد أباطرة الرومان (يوليوس قيصر) وقد اشتق هذا الاسم من فعل لاتيني معناه يقطع أو يشق . لأن ذلك الإمبراطور قد ولد بعملية شق البطن فأطلق عليه هذا الاسم، وقد عممت الدلالة وصار الاسم يطلق على عملية الولادة التي تجرى بشق البطن ، فيقال : (عملية قيصرية) . - كلمة (البأس) كانت خاصة بالحرب، ثم أصبحت تطلق على كل شدة. - انحطاط الدلالة وانحدارها : ويعني: تخلِّي اللفظة عن مرتبة متقدِّمة إلى مرتبة متأخِّرة بعد أن تفقد شيئاً من هيبتها في أذهان الناس، أو تفقد مكانتها بين الألفاظ التي تنال مراتب رفيعة في المجتمع ، مثل : - كلمة البهلول كانت تعني في الشعر العربي القديم الرجل الكريم الصفات، ثم انحطّت دلالتها فصارت اليوم تعني الرجل المعتوه الذي لا يدرك نتائج أفعاله. - المركب : (طول اليد)، كان يدل على الكرم والسخاء، وقد سألت رسولَ الله بعضُ أزواجه؛ أينا أسرع لحاقاً بك يا رسول الله؟ فقال: أطولكنَّ يداً. وهي اليوم تُطلق على السارق فنقول هذا يده طويلة . - كلمة (الحاجب) كانت تعني في الدولة العربية الأندلسية رئيس الوزراء، ثم أصبحت تدل على خادم أو حارس الباب . - كلمة( النِّسوان ) وهي جمع للمرأة من غير لفظها؛ إذ شاعت هذه الكلمة على ألسنة الشعراء قديمًا، كما في قول عمر بن أبي ربيعة: إنّ قلبي بعدَ الذي نال منها كالمُعَنَّى عن سائر النِّسوانِ والآن صارت الكلمة مستهجنة، سواء أكان ذلك في المستوى الأدبي للغة أم في الخطاب العادي في بعض البلاد العربية..