خلال الأشهر الماضية، عندما كنت أتحدث لبعض ملاك شركات الوساطة السعوديين، أجدهم في أكثر من مناسبة يشتكون من قلة حجم التداول في سوق الأسهم السعودي وكيف أن بعضهم يفكر بشكل جدي في الخروج من قطاع الوساطة بشكل كامل مؤقتا فالشركات التابعة للبنوك مازالت تسيطر على معظم حجم التداول بالإضافة إلى أن متطلبات رأس المال المفروضة نظاما وهي 50 مليون ريال لا تسمح لهم بخفض حجم أعمالهم تماشيا مع انخفاض حجم التداولات. بحسب موقع أرقام ، إيرادات شركات الوساطة التابعة للبنوك خلال 2011 بلغت تقريبا 2.16 مليار ريال، وهو ما يمثل تقريبا 97% من عمولات تداولات السوق كاملة بحسب بعض المراقبين، فالمتبقي لبقية شركات الوساطة لا يتجاوز 70 مليون ريال سنويا! هذا المبلغ المتبقي هو إيرادات موزعة بين 23 شركة وساطة مستقلة، بمعدل 3 ملايين ريال لكل شركة سنويا. المثير في المسألة أن عدد شركات الوساطة المستقلة كان قد انخفض بحدود 55 شركة تقريبا. هذه الأرقام التي تحدثت عنها تعتبر تقديرية ولكنها تثير سؤالا مهما للقائمين على تنظيم سوق الأسهم ، هل مازال سوق الأسهم ككل وقطاع الوساطة المالية جذابا للمستثمرين؟ من ناحية سوق الأسهم فسلوكه بدأ يختلف، فتركيز المستثمرين تحول عن المؤشر وأصبح التركيز على أسهم محددة بعينها، بالإضافة إلى المضاربة على قطاع التأمين. هناك اسهم متعددة حققت عوائد اكبر من مؤشر السوق نفسه منذ بداية السنة الحالية، فعلى سبيل المثال المراعي، هرفي، الاتصالات السعودية، البلاد، والإنماء. وبعض أسهم قطاع التأمين حققت عوائد تتجاوز 100%. أما من ناحية قطاع الوساطة ففيما يبدو أن القطاع مازال ينكمش بشكل مستمر بفعل قوة شركات الوساطة التابعة للبنوك. ولا استغرب أن تتقلص شركات الوساطة بحيث لايتبقى لهيئة السوق إلا شركات الوساطة التابعة للبنوك. هذا الأمر الذي أعتقد أنه سيدعونا للتساؤل عن جدوى وجود هيئة مستقلة للسوق، فالأفضل حينها أن يتم دمج هيئة سوق المال مع مؤسسة النقد، ويتم إعادة دمج شركات الوساطة المتبقية مع البنوك التي قامت بإنشائها! لا أعتقد أن هيئة السوق تفكر بالاندماج مع مؤسسة النقد، وعودة السوق مرة أخرى لمظلة مؤسسة النقد! لهذا فالمفترض أن تفكر جديا بالقيام بإجراءات جذرية تعيد لسوق الأسهم جاذبيته المعهودة. فعلى رأس هذه التغييرات التنظيمية هو تعديل الحد الأدنى لرأس مال شركات الوساطة. فالمتطلبات الحالية تم إقرارها سابقا لحماية البنوك من خطر المنافسة السعرية ، فخمسين مليون ريال تعتبر تكلفة ضخمة لشركة الوساطة، مما يجعلها عاجزة عن المنافسة بالأسعار. هذا المتطلب كان ضروريا عندما كان حجم التداول اليومي أكثر من 20 مليار ريال وكان دخل الوساطة يقدر ب 25% من إجمالي دخل البنوك. ولكن الأوضاع تغيرت الآن، إيرادات اعمال الوساطة للبنوك السعودية انخفض إلى 4% من إجمالي عملياتها بالإضافة إلى أن حجم التداولات اليومية انخفض بنسبة أكبرمن 60% إلى حدود معدلات يومية أقل من 5 مليارات. هذه التطورات تجعل المنافسة مع البنوك غير عادلة، فهي تستطيع خفض تكاليفها بسهولة مع أنشطتها الأخرى المختلفة بخلاف الشركات المستقلة التي تتحمل كافة تكاليفها الثابتة. أعتقد أن متطلبات رأس المال يجب أن تخفض لتستطيع شركات الوساطة المستقلة العيش وسط قطاع غير جذاب حاليا كما من المفترض أن يستمر المنظمون في تطوير عمليات السوق خاصة إذا كان الهدف هو تحويله إلى سوق جذاب كالأسواق المتطورة بدلا من استمراره كسوق أقل من ناشئ.