واحة غناء.. هكذا هي منطقة الباحة اليوم فالصيف على الأبواب، والباحة على أهبة الاستعداد إذ ترتدي حلتها الخضراء وتتزين بأجمل الورود بشتى ألوانها والتي تفوح بعبقها الساحر استعداداً لقدوم الصيف والمصطافين نظراً لما حباها الله من جمال الطبيعة الخلابة مرصعة بالشواهد التاريخية والآثار كالقلاع والحصون والقرى القديمة وعدد هائل من المدرجات الزراعية التي تعود لآلاف السنين، خلاف الأودية والأنهار التي تغسل شلالاتها قمم الجبال. يغلب على تضاريس منطقة الباحة الصفة الجبلية لوجود جبال السروات الممتدة من الجزء الشمالي الغربي إلى الجنوب الشرقي، ورغم انعدام الشريط الساحلي المباشر، إلا أن الأرض المنخفضة في أسفل جبال السروات ذات مناخ حار ورطب، وبشكل عام، تتمتع المنطقة بمناخ جبلي معتدل صيفاً، وبارد شتاء، وانتشار الغابات الكثيفة، وقابلية لتطوير الزراعة في قاع الوديان، حيث وفرة المياه الموسمية. ويبلغ عدد سكانها حسب إحصائيات عام 1425ه 277,739 نسمة يشكلون ما نسبته 1,7 من إجمالي سكان المملكة. وتعتبر استراتيجية تنمية السياحة لمنطقة الباحة ثاني خطط التنمية السياحية الإقليمية التي تنجزها الهيئة العليا للسياحة مع شركائها بالمناطق ضمن خطة العمل الخمسية (1423-1428ه) والهادفة إلى تنمية السياحة المستدامة للمملكة العربية السعودية، والتي تتضمن إعداد خطط واستراتيجيات السياحة الإقليمية وخطط تطوير المناطق والمواقع السياحية. ولقد وضعت الاستراتيجية هدفاً عاماً وهو المساعدة في تنمية صناعة السياحة في الباحة، وبالتالي الإسهام في تنميتها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بما يتفق مع أهداف التنمية الوطنية للتنوع الاقتصادي، وزيادة التنمية الإقليمية، وتوفير فرص عمل ونشاط سياحي للمواطنين، وذلك من خلال تطوير الفنادق والمرافق السياحية الأخرى في المنطقة، الانتفاع من المباني والقصور القديمة وترميمها والاهتمام بإنشاء المتاحف الثقافية التقليدية، الاستخدام الأمثل للبحيرات والسدود وبناء مرافق ترفيهية حولها، توفير الخدمات المساندة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات وشبكات الصرف الصحي. ولم تغفل الخطة أهمية المحافظة على المواقع التاريخية، والطبيعية الهامة، والعمل على إنشاء مكاتب للإعلام للتعامل مع وسائل الإعلام وتولي مهام الترويج والتسويق وكافة الأمور التي تنمي السياحة في مناطق جذب الزوار والمرافق الأخرى. علاوة على الاهتمام بتفعيل الموارد الثقافية في مجال السياحة والتي تضم الحرف والصناعات التقليدية، الأسواق الشعبية، التراث غير المادي (الفنون الشعبية، العادات... إلخ) تشجيع الاستثمار في المنتجات المحلية وإقامة المهرجانات الخاصة بذلك مثل: العسل والفواكه المحلية. وبجانب تركيز استراتيجية التنمية السياحية لمنطقة الباحة على قطاع السياحة إلا أنها لم تغفل القطاعات الأخرى حيث وضعت العديد من العناصر للاستفادة من هذه القطاعات، فعلى سبيل المثال توجب الاستراتيجية الاستفادة القصوى من هطول الأمطار والمناخ المناسب في قطاع الزراعة. كما حددت فرص الاستفادة من قطاع الصناعة باستغلال الفرص الاستثمارية في تعبئة المياه المعدنية، وإعداد ثلاجات لحفظ الفواكه والخضراوات، علاوة على تطوير فرص الاستفادة من الصناعة القائمة مثل العسل والمخللات والمعجنات والحلويات والجرانيت والرخام، والأثاث والقرميد والمنتجات الجلدية. رؤية لتنمية السياحة ترتكز الرؤية التي تعتمد عليها استراتيجية تنمية السياحة في الباحة على جعل منطقة الباحة الوجهة الجبلية السياحية الرائدة في المملكة طوال العام، لقضاء العطلات العائلية، والقيام بنشاطات متنوعة، عن طريق توفير مرافق ايواء مختلفة ذات جودة عالية، ونشاطات ترفيهية عديدة، والاستفادة من تقديم تراث المنطقة. وتعتمد هذه الرؤية على مقومات المنطقة الرئيسة، وخاصة موقعها الجبلي باستغلاله بشكل أفضل عن طريق إنشاء مرافق متنوعة. ولتحقيق هذا الهدف حددت الاستراتيجية أهدافاً مأمولة ومتفقاً عليها، وقابلة للقياس في إطار هذه الخطة. وتشير هذه الأهداف إلى الحالة المتوقعة للسياحة في الباحة بعد انتهاء تطبيق برنامج السنوات الخمس، كما رسمت الخطة الأهداف المأمول تحقيقها في نهاية هذا البرنامج والمتمثلة في: تعريف الأسواق السياحية الوطنية الهامة بالباحة كوجهة جذب سياحية ذات هوية مميزة ومختلفة بشكل واضح عن المنافسين لها وهما: الطائف، وأبها، مع العمل على إنشاء منظمة سياحة إقليمية فعالة للقيام بتوجيه عمليات التسويق والتطوير، تأسيس قطاع سياحي قابل للاستمرار يعتمد على نفسه وذلك ببناء مرافق سياحية حديثة. وتهدف الهيئة كذلك إلى تمديد الموسم السياحي بتمديد الفترة لتصبح (8) أشهر بدلاً من (8) أسابيع، وتوفير مجموعة مختلفة من النشاطات الرياضية والترفيهية الخارجية ذات الجودة العالية، إلى جانب تقديم المنتجات التراثية المتنوعة، واستغلال مناخ المنطقة وموقعها الجبلي، علاوة على توفير خدمات مساندة متنوعة ذات جودة عالية ومحسنة تشمل (الايواء، ومنظمي الرحلات السياحية، والمطاعم.. إلخ) تتوافق مع الأسواق المستهدفة والتوقعات المتزايدة، وتجذب الشرائح المهتمة بالتسوق مثل: العائلات، والشرائح التي تسافر بغرض زيارة الأقارب والأصدقاء، وجذب الأسواق الجديدة النامية بشكل سريع، وتوفير استثمارات أكثر. ومن المهم كذلك حماية التراث (الطبيعي وغير الطبيعي) وإعادة ترميمه وتأهيله سياحياً باستخدام قرية (ذي عين) كمثال تجريبي على المستوى الوطني. وكذلك العمل على زيادة فرص التوظيف والتدريب، وتوفير فرص جديدة لتأسيس مشروعات وأعمال تجارية لرجال الأعمال الوطنيين. ولتنفيذ مثل هذه الخطط الطموحة وضعت الاستراتيجية العديد من الخطط الطموحة لإنشاء العديد من المشروعات السياحية في المنطقة، أشهرها منتجع الباحة، غابة رغدان، النشاطات الترفيهية الرياضية، قرية ذي عين، جبل شدا، وبلجرشي. غابة رغدان انطلاقاً من الهدف الذي وضعته خطة السياحة الوطنية وهو: الحاجة إلى توفير التوازن بين التنمية السياحية الجديدة والبيئة، فقد تم وضع مشروع غابة رغدان من ضمن الأولويات استجابة لحجم وكثافة الزوار. وخاصة أن منطقة رغدان تمزج بين البيئة الطبيعية، والمناظر الجبلية الخلابة. ولأن الغابة تتعرض لضغط متواصل ومعرضة للخطر نتيجة لاهمال الزوار وإساءة استخدام المرافق فقد تم وضع العديد من التوصيات لتطوير الغابة والتي منها إعادة تجديد المرافق الموجودة في الغابة، وإزالة المرافق المقامة على نحو غير ملائم، أو تلك المصنوعة من خامات غير مناسبة، واستبدال المنشآت المتوفرة حالياً بمواد وخامات أكثر ملاءمة كالأخشاب والأحجار المحلية. وإنشاء خدمات ايواء مناسبة مثل فندق مبني من المواد المحلية على الطراز التقليدي في المنطقة في أحد جوانب الغابة أو بجوارها، وكذلك إزالة أو استبدال القضبان الحديدية الموجودة في وسط الأشجار وعلى حافة الجرف ووضع نماذج خشبية تناسب البيئة المحيطة بشكل أكبر. إضافة إلى إنشاء قاعدة مناسبة وثابتة للشواء وطاولات.. إلخ لاستخدام العائلات. مع التركيز على بعض القضايا مثل التشجير الإضافي، توفر المصادر المائية اللازمة بالمستقبل، تحديد المسؤولية الإدارية والمؤسسات الحكومية التي ستناط بها إدارة المشروع، وقيام البلدية بتطوير مرافق جديدة عوضاً عن تحسين الغابات الموجودة. تؤكد الاستراتيجية على أهمية توفير مشروعين مميزين لرفع مستوى الباحة كمنطقة رائدة في توفير الخدمات الرياضية والترفيهية وذلك لمساندة المرافق الموجودة حالياً من المدينة الرياضية، بجانب إنشاء حلبة السباق بهدف جعل الباحة أفضل وجهة للرياضات. ويتم كل ذلك بغرض الاستفادة الكاملة من المناخ والارتفاع والبيئة في الباحة لتوسيع دائرة المنتجات الترفيهية في الباحة وجذب أسواق جديدة ذات قيمة أكبر مع تمديد السوق الرسمي الخاص بالعطلة القصيرة. أعطت الاستراتيجية أهمية خاصة لجذب النساء إلى الباحة مما يسهم في جعل الباحة وجهة مريحة ومسلية ومناسبة لتجمع العائلات والأصدقاء وذلك من خلال ايجاد فرص تستثمر بشكل جيد من الأسواق النسائية والخاصة بالعائلات. والهدف من ذلك هو القيام بمحاولة لجذب النساء عن طريق توفير مرافق مرغوبة غير متوفرة في أماكن أخرى، وبالتالي زيادة الشرائح ذات الدخل المرتفع من السوق العائلي، وجذب النساء اللاتي لم يفكرن مسبقاً بزيارة الباحة. وتراعي الاستراتيجية أن يكون المركز في موقع مناسب يسهل الوصول إليه من المدينة والأسواق ومرافق الايواء لأنه سوف يشكل دعاية ممتازة للباحة كمنتجع مناسب للعائلات. وتشمل هذه المرافق والنشاطات التي يضمها المركز مسبحاً، نادياً رياضياً، مسبحاً للأطفال، مركزاً للعناية الجمالية والتدليك، مقهى، عروضاً للأزياء، ومركزاً احتفالات شعبية تقليدية يقدم العروض بانتظام. جبل شدا الأعلى والأسفل يقع جبل شدا بعيداً عن سلسلة الجبال الرئيسة بالقرب من السهل الساحلي قرب المخواة وهو في الواقع عبارة عن جبلين يسميان: جبل شدا الأعلى وجبل شدا الأسفل، ويشكلان وفق الاستراتيجية سلسلة جبلية أساسية ومهمة ذات مناظر طبيعية خلابة تطل على المنطقة المحيطة مما يمكن من استغلاله سياحياً بشكل كبير. وتوفير البنية التحتية الحالية مثل: الماء، والكهرباء، والمركز الصحي، ومنطقة للتخلص من النفايات. والاستفادة من الغطاء النباتي والحيوانات الموجودة في منطقة الجبل. بلجرشي الحي التاريخي ويهدف هذا المشروع إلى احياء المنطقة وتاريخها، وايجاد وجهة جديدة ذات أهمية كبيرة. ويقع الحي التاريخي للمدينة بجوار السوق ويطل عليه، ويتكون من حوالي ثلاثين مبنى تاريخياً تجاور بعضها البعض، وتتخللها طرقات وممرات ضيقة ومتشابكة. وتهدف الاستراتيجية لتوفير أنماط استخدام سياحة حالية وجديدة، وترى الاستراتيجية اختيار أحد المباني المهمة لإنشاء مركز تراثي صغير أو متحف لعرض تاريخ وتراث هذا الجزء من بلجرشي.