تظهر في كل عام نتائج الثانوية العامة للطلاب والطالبات. وتبدأ رحلة المعاناة مع التسجيل في الجامعات والكليات، وتزداد حيرة الطلاب والطالبات ، وترقب الآباء والأمهات . ويظهر سؤال كبير أمام كل طالب وطالبة وهو : هل يمكن أن أُقبل بسهولة في الجامعة، وماهي التخصصات المناسبة ؟! وبالطبع يبرز شبح المعدل الذي لا يترك فرصا كثيرة أمام الخريجين، كما أن الخيارات المتاحة قليلة ومحدودة للتسجيل. وتقبل الجامعات والكليات أعداداً ربما تفوق طاقتها الاستيعابية ثم تبدأ الدراسة وتبدأ حلقة أخرى من طلبات الاعتذار عن الدراسة أو التحويل إلى تخصصات محدودة أو كليات أخرى في الفصل الدراسي الأول أو الثاني . وتتركز هذه الاعتذارات أو التحويل المستمر في عدم رغبة الطالب أو الطالبة في تلك الكلية أو ذلك التخصص. ولا شك أن جزءاً من المشكلة يعود إلى عدم معرفة الطالب أو الطالبة برغبته أو رغبتها في ذلك التخصص . وأحياناً يحصل الطالب أو الطالبة على رغبته، ولكنه يحوِّل إلى كلية أخرى أو تخصص آخر بناء على رأي الزملاء أو الأهل والأقارب . وأذكر أنني عندما كنت مسؤولاً في كلية العلوم بجامعة الملك سعود أن طالباً حوِّل من كلية الطب إلى قسم الرياضيات لأنه كان متميزاً في تخصص الرياضيات. وعندما سألته عن السبب في التحويل، قال : بأن درجاته في الثانوية كانت 97 %، لكن أهله وأقاربه رأوا أن كلية الطب هي المكان المناسب له ولمستقبله . وقد اكتشف فجأة أن رغبته الحقيقية وميوله في الرياضيات بعد أكثر من عامين قضاهما في كلية الطب، ما يدل على حبه للتفكير الرياضي وعدم رغبته في علاج المرضى، أو دراسة المقررات الطبية. وهناك طلاب يتخرجون بمعدلات عالية في الثانوية، ويخفقون في الجامعة لعدم اختيارهم التخصص المناسب. أما الطلاب والطالبات الذين يتخرجون بمعدلات غير عالية، ثم يقبلون في الجامعة، فعليهم أن لا يحولوا إلى كليات أو تخصصات أخرى إلا بعد دراسة واستشارة متأنية، قبل أن يقضوا سنين طويلة ثم يفشلوا في الدراسة. إن اختيار الكلية أو التخصص يخضع إلى أشياء متعددة أهمها المعدل في الثانوية، واختبار القدرات. لكن هذا لا ينفي دور الطالب والطالبة في حسن الاختيار، واستشارة المسؤولين، بالإضافة إلى التفكير حول تلك الكلية أو التخصص من حيث الرغبة الأكيدة والحماس لذلك التخصص. وينبغي على كل طالب وطالبة أن يعتمد على الله أولاً وأخيراً، ثم على نفسه في المذاكرة الجادة، والحرص على حضور جميع المحاضرات والدروس العملية إن وجدت . ومن المستحسن أن يسأل الطالب أو الطالبة هذه الأسئلة عند اختيار الكلية أو التخصص : - هل هذا التخصص مناسب لقدراتي؟ - هل يمكن أن أحب هذا التخصص وأن أنتج فيه؟ - هل أستطيع أن ادرس لمدة أربع أو خمس سنوات هذا التخصص وأن أبدع فيه ؟! وعلى الطالب والطالبة عند التسجيل عدم التأثر برغبات الأهل أو الأقارب أو الزملاء . وأن يكون القرار منبثقاً من الرغبة الأكيدة والقدرات والحماس لهذه الكلية أو التخصص . إن على الطلاب والطالبات أن يكونوا على اطلاع ومتابعة لسوق العمل في المملكة، وأن تكون الجامعات والكليات والمعاهد عوناً لهم على توضيح أهمية كل تخصص ومتطلباته. إن المملكة العربية السعودية تزخر بالإمكانات وتحتاج إلى الطاقات الوطنية لسعودة جميع الوظائف، لكن هذا يتوقف على مزيد من التعاون بين القطاعات المختلفة ودور العلم والمعرفة والتدريب . والأمل كبير في أن يحقق أبناؤنا وبناتنا طموحات الوطن الحبيب في مستقبل أفضل لجميع المواطنين بإذن الله تعالى وبرعاية حكومتنا الرشيدة..