إن الرقي بخدمات النقل الجوي سواء أكان على الأرض في المطارات أم في الجو على الطائرات يحتاج إلى إعادة هيكلة وتطوير من حيث الكم ومن حيث الكيف خصوصاً أننا نشهد منافسة عالمية محتدمة في هذا المجال يجب ان لا نكون من الخاسرين فيها.. ونحن نملك كل مقومات النجاح فنحن الأقدر والأحق تتمتع مملكتنا الحبيبة بعدد غير محدود من المزايا والمؤهلات التي جعلت وتجعل منها واحدة من أهم الدول الفاعلة في العالم على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والسياحية بالإضافة إلى النقل والمواصلات والاتصالات وغيرها ويأتي في مقدمة ذلك ما يلي: 1- تمثل المملكة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم في مشارق الأرض ومغاربها وذلك لاحتضانها وخدمتها للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. 2- المملكة تملك أكبر احتياطي للنفط في العالم وفي نفس الوقت تعتبر المملكة أكبر منتج ومصدر للبترول أيضاً، وهذا ما جعلها تملك زمام المبادرة والتحكم بمخرجات ومدخلات الطاقة العالمية ومن هذا المنطلق أصبحت المملكة من خلال توازن وحكمة قيادتها مسؤولة عن حفظ توازن العرض والطلب على محرك الحضارة الحديثة ألا وهو البترول. 3- يمثل موقع المملكة سرة العالم وملتقى مصالحه ومواصلاته البرية والبحرية والجوية فهي تشكل حلقة الوصل بين قارات العالم القديم آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهي تطل على البحر الأحمر من الغرب وعلى الخليج العربي من الشرق بسواحل يصل طولها إلى آلاف الكيلو مترات (2640) كلم. 4- المملكة تضم بين جنباتها المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة ومواقع تاريخية مهمة مثل بدر وجبل أحد وقباء وجبل ثور وغار حراء واليمامة بالإضافة إلى الآثار الفريدة في كل من مدائن صالح والربذة والفاو والأخدود، ليس هذا فحسب بل إن هناك مواقع أخرى مثل ديار الفرسان والشعراء المشهورين مثل عنترة وأعشى قيس والنابغة الذبياني وامرئ القيس والفرزدق وجرير وبعض أسواق العرب المشهورة مثل سوق عكاظ وغيره. 5- تجانسُ وتوافق وتكامل بين مكونات الشعب ووحدته الوطنية ووعيه وإدراكه بأهميتها والدفاع عن مكتسبات الوطن والذود عن حياضه والالتفاف حول قيادته الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. كل هذه المميزات وغيرها مما لم يرد ذكره تؤهل إلى مزيد من الفعالية التي تجعل المملكة أقدر على المنافسة ذات العائد الاقتصادي الذي يحقق جزءاً من نظرية تعدد مصادر الدخل ويفعّلها ويأتي في مقدمة ذلك الاتجاه إلى جعل المملكة منافساً رئيسياً في مجال النقل الجوي على المستوى الداخلي والخارجي حيث أصبحت صناعة النقل الجوي واحدة من أهم أنواع المواصلات على المستوى التجاري والسياحي. ونحن في المملكة لازلنا غائبين على الأقل بصورة جزئية عن الاستفادة من تلك الميزة على الرغم من أننا أقدر وأحق ممن تصدى لهذا الاستثمار ونجح فيه.. نعم أقدر مادياً وأقدر تعداداً وأقدر مساحة وأقدر توسطاً وأقدر جذباً، وأحق لما نتمتع به من مميزات ومعطيات ومدخلات ومخرجات ولكن كل ذلك مرهون بالتخطيط السليم وبعد النظر والضبط والربط اللازمين. نعم تبلغ مساحة المملكة ما يفوق (2200) مليون كيلو متر مربع وهي مساحة مترامية الأطراف يسكنها ما يقارب عشرين مليون مواطن وما يزيد على ثمانية ملايين مقيم ووافد، وتقسم المملكة إلى (13) منطقة إدارية يتواجد في كل منها مواطنون كثر، مع عدد من القرى والمراكز والهجر، وقد ربطت تلك المناطق بطرق برية حديثة الا ان الحراك العمراني والصناعي والتجاري وزيادة عدد السكان حتم وجود وسائل مواصلات أكثر فعالية من السيارة فجاءت فكرة إنشاء السكك الحديدية التي هي الآن في طور التنفيذ ولا يأتي الحكم على فعاليتها حتى تبدأ العمل هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الناقل الجوي شبه الوحيد وهو الخطوط الجوية السعودية لم تواكب النقلة النوعية للحراك الذي تخوضه المملكة فظلت تعمل وفق آلياتها القديمة ويدعم ذلك عدم التمكن من تطوير المطارات الدولية والمحلية لتصبح منافسة فالسباق الدولي المحموم في مجال تصميم وإنشاء المطارات الدولية الحديثة على درجة عالية من المهنية والفعالية من حيث المظهر ومن حيث الجوهر أصبح من أهم أولويات الدول كيف لا ومثل تلك المطارات وخدماتها المساندة تمثل وجه البلد الذي يعطي الانطباع الأوّلي والدائم عن الدولة ككل. لقد تحدثت في مقال سابق عن أهمية تحويل الخطوط السعودية إلى ذراع استثمارية فاعلة من خلال قسمتها إلى ثلاث شركات متكاملة اثنتين منها استثماريتين: واحدة على المستوى المحلي، والأخرى على المستوى الدولي أما الثالثة فاقترحتُ ان تكون حكومية محدودة ترفع الحرج عن الشركتين الاستثماريتين اللتين يجب ان تتم إدارتهما على أساس تجاري بحت لا يخضع لأي نوع من الاستثناءات. وإن الحاجة ماسة لإنشاء أكثر من ناقل جوي وطني لتغطية الحاجة الماسة والمتزايدة للحراك الذي تشهده المملكة على المستوى الشعبي والتجاري والصناعي والعلمي والتعليمي والصحي على ان تتم معاملة جميع الشركات الوطنية وفق نفس المقاييس لضمان عدالة المنافسة بينها، وضمان استمرارها. وهذا أجدى وأنفع من فتح المجال أمام الخطوط الأجنبية للنقل الداخلي. نعم المملكة اليوم تملك ثلاثة مطارات دولية رئيسية هي مطار الملك خالد في الرياض، ومطار الملك فهد في الدمام، ومطار الملك عبدالعزيز في جدة وكلها كانت مطارات منافسة في يوم من الأيام الآن قدرتها على المنافسة اليوم قد انخفضت بسبب تقادمها من ناحية، وعدم قدرتها على الجذب من ناحية ثانية وعدم تأهيلها لتستعمل كمعبر للرحلات الدولية فعلى الرغم من حداثة مطار الملك فهد في الدمام وبدء العمل في تطوير مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة بصورة بطيئة والاتجاه إلى تطوير مطار الملك خالد الدولي الذي تقادم إلاّ ان الطموح الذي يجب ان تسعى المملكة إلى تحقيقه يجب ان يكون أكبر بكثير مما يتم تحقيقه على أرض الواقع خصومصاً ان المملكة وجهة الحجاج والعمار.. وإذا فعّلنا السياحة بصورة عامة والدينية بصورة خاصة وسمحنا للحجاج والعمار والسياح والزوار البقاء والتجول لفترات أطول فإن ذلك سوف يكون له مردود اقتصادي واعد وكل من هؤلاء سوف ينقل وجهة نظره عن المملكة ومداخلها ومخارجها من مطارات وموانئ ومعابر وهذا كله سوف تبنى عليه سمعة المملكة.. إنني لا أبالغ حين أقول إن دبي أصبحت معروفة في كل مكان بسبب حراكها السياحي ومطارها الدولي واستثمارها في الضبط والربط والفعالية والبقاء للأصلح وقبل ذلك وبعده سعة الأفق والاصرار على التميز. أعود إلى مطار الملك خالد بوابة عاصمة المملكة الرياض بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد فأقول ان هذا المطار عندما تم افتتاحه عام 1983م كان تحفة معمارية فريدة وله مساحة منافسة عالمياً حيث تبلغ مساحته 225 كلم 2 على الرغم من ان تلك المساحة آخذة بالتناقص حيث اقتطع من تلك المساحة مقر جامعة الأميرة نورة وغيرها، وما يقع جنوب الدائري الثاني من مساحة ومع ذلك تظل المساحة الفضاء كافية لتطوير ذلك المطار إلى الشكل والمضمون اللذين يليقان بعاصمة المملكة العربية السعودية، ولعلي أشير هنا إلى الإمكانات التالية لتطويره بصورة مستعجلة كما يلي: * إدخال ممر السيارات الحالي (الذي يخدم تحميل وتنزيل الركاب ) ضمن الصالات وإنشاء طريق بديل له يمر من غرب المسجد أي ان المسجد يصبح جزءا من مبنى الصالات وليس مستقلا عنه. * دمج ممر السيارات والصالات ومكان البوابات الحالي مع بعضها البعض بحيث يشكل الكل بهوا ضخما متكاملا تقام فيه مقرات الخطوط الجوية المحلية والعالمية وصالات استقبال المسافرين قبل المغادرة والمطاعم وفي المكان المناسب الأسواق الحرة وصالات انتظار رجال الأعمال والخدمات الأخرى. * إقامة مبنيين جديدين للبوابات أحدهما لبوابات السفر الداخلي والآخر لبوابات السفر الدولي على ان يراعى في ذلك الحاجة الحالية والمستقبلية لعدد البوابات وسعتها والخدمات اللازمة لها. وإمكانية توسيعها عند الحاجة ناهيك عن المحافظة على المظهر العمراني المميز للمطار. 4- قبل ذلك وبعده الاهتمام بنوعية وكمية وكيفية الخدمات المقدمة ومستوى تأهيل من يقدم الخدمة بحيث يصبح المطار وجهاً حضارياً للعاصمة ويشكل أحد أبرز معالم مدينة الرياض كوجهة استثمارية وسياحية وعلمية وعلاجية واقتصادية وتسويقية تفتح ذراعيها مرحبة بكل من يقصدها من داخل المملكة وخارجها من خلال مطارها ا المميز والمتميز. 6- زيادة عدد النزل والفنادق والتسهيلات المرافقة القريبة من المطار والرقي بمستواها كماً وكيفاً.. نعم ان التكامل بين الخطوط الجوية وتعددها وبين تطوير وبناء مطارات قائمة وجديدة أمر في غاية الأهمية فلايمكن للأول ان ينجح أو يتطور بدون ان يواكبه الثاني أو يسبقه.. ان المطارات والموانئ والمعابر البرية وخصوصاً المطارات الدولية تمثل الواجهة الأمامية التي تعطي انطباعاً وانعكاسا لما تتمتع به الدولة من تقدم وتحضر وذلك يشمل كلاً من المظهر والجوهر فمظهر وسعة وحداثة وتنظيم المباني وجوهر الخدمة والتسهيلات والراحة والاحترام والانسيابية كلها تزرع في نفس المسافر شعوراً إيجابياً تجاه البلد وأهله، وإذا أمعنا النظر إلى مطاراتنا نجد ان أعداداً هائلة من البشر ترتادها وتستخدمها فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان: * أعداد المواطنين الذين يستخدمون مطاراتنا الدولية في تزايد مستمر خصوصاً خلال العطلات والإجازات وفترة الصيف وغيرها، وهؤلاء يحسبون بمئات الآلاف وبصورة تراكمية بالملايين، وكل منهم يعقد مقارنة بين مطاراتنا ومطارات الدول التي يتوجهون إليها. * ملايين الحجاج القادمين من مختلف دول العالم وكذلك العمار هم أيضاً يعقدون مقارنات بين ما يجدونه، وبين ما يخبرونه. * رجال الأعمال وأساتذة الجامعات والوفود الرسمية من برلمانية واقتصادية واستثمارية وتعليمية وبحثية وصحية وعسكرية وأمنية والمشاركين في المؤتمرات وورش العمل وكل من له علاقة بالحراك التنموي في المملكة من الأجانب سوف تكون لهم انطباعاتهم عن الوهلة الأولى لوصولهم إلى المملكة وعند مغادرتها. * أكثر من ثمانية ملايين من الوافدين والمقيمين في المملكة يستخدمون مطاراتنا الدولية في الدخول والخروج لهم انطباعاتهم وذكرياتهم أيضاً. * وبما أن المملكة عاقدة العزم على الاستثمار في مجال السياحة وتسهيل دخول السياح وخروجهم فسوف تزداد الاعداد القادمة والمغادرة للمملكة وكل ذلك يحتاج إلى تسهيلات ووسائل تشجيع يأتي في مقدمتها مظهر وجوهر مطاراتنا وخطوطنا الجوية. وعليه فإن الرقي بخدمات النقل الجوي سواء أكان على الأرض في المطارات أم في الجو على الطائرات يحتاج إلى إعادة هيكلة وتطوير من حيث الكم ومن حيث الكيف خصوصاً أننا نشهد منافسة عالمية محتدمة في هذا المجال يجب ان لا نكون من الخاسرين فيها.. ونحن نملك كل مقومات النجاح فنحن الأقدر والأحق ولهذا فإن المملكة مندوبة اليوم لخوض غمار المنافسة في مجال النقل الجوي كوسيلة استثمارية وخدمية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، ويدعم ذلك إنشاء شركات متخصصة وقادرة على الاستثمار في هذا المجال على المستوى الداخلي والخارجي وذلك على غرار شركات خدمة المطارات مثل تلك التي تدير مطار هيثرو في لندن، وشركة دبي للمطارات وغيرها من الشركات الناجحة التي تتكون كل منها من عدد من الشركات المتخصصة بجزئية من منظومة إدارة المطارات.. وللعلم يوجد موقع دولي على شبكة الإنترنت مهمته نشر تقييم للخطوط الجوية العالمية والمطارات الدولية فلنحرز قصب السبق ولنتبوأ المقدمة.. والله المستعان.