في الماضي وبعد الانتهاء من ذبح الأضاحي.. أي كهذه الأيام تكون النساء قد انتهين من (التشريح والتمليح) للحوم الأضاحي ونشر تلك اللحوم على حبال تشبه حبال الغسيل في غُرف جيدة التهوية.. بل قد يكون بعض من الأسر قد ابتدأ بالتلذذ بأكل (القفر) ونكون نحن (الصبية والأطفال) قد جمعنا نصيبنا من الكعابة من لحوم الأضاحي.. وقد كانت قيمة الكعب الواحد بقرش واحد أيام الوفرة (بعد ذبح الأضاحي مباشرة) تمتد لشهر أو شهرين، أو في لغة أسعار النفط (تسليم المحرم وصفر) وترتفع القيمة إلى قرشين أو أكثر بعد ذلك.. وأذكر انه كان هناك تاجراً يمول الصبية والأطفال بالكعابة.. وعند التقصي عن مصدر الكعابة التي يُحضرها بكميات كبيرة تبين ان مصدر التوريد هو المستشفى الشميسي.. حيث يقوم بنثر مخلفات المستشفى (الزبالة) كما تفعل الكلاب والقطط السائبة.. بحثاً عن عظام أرجل الخرفان والماعز ليستخرج منها الكعابة ويقوم بتنظيفها وتجفيفها ثم بيعها علينا.. وأذكر ان قيمة الكعب الكبير (صوله) تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة الكعب العادي أو الصغير.. وكلما كبر حجم (الصولة) دل ذلك على أن ما أكله مرضى المستشفى الشميسي آنذاك هو لحم خروف لا يقل عمره عن (رُباع ) أو (هرش) أو سواكني أو شياه.. ومع ذلك كانت وجبات المستشفى توصف بأنها أُعدت إعداداً يُناسب حاجة المرضى من بروتينات ودهون وسعرات حرارية.. ونحن هذه الأيام نعيش وفرة في اللحوم (من الأضاحي) إلا انه لم يعد الناس يرسلون لحماً بعضهم لبعض كما كنا نفعل في الماضي عندما كانت الأُضحية تُقسم لثلاثة أقسام.. ثلث صدقة للفقراء والمساكين وثلث هدية (طعمة) أو ذواقة للأقارب والأصدقاء والجيران والثلث الأخير يأكله من ذبح الأضحية مع أهله.. وأعود إلى (الصولة) فقد كنا نقوم بحفر باطنها وتعبئته بالإسفلت الذي نحصل عليه من شارع الشميسي الجديد أثناء قيام العمال بالسفلتة أو ننتظر حتى تشتد حرارة الشمس (عز القوايل) فتذوب أو تلين الطبقة العليا من إسفلت الشارع لنأتي (بين السيارات) حفاة الأقدام ونقوم بتقشير تلك الطبقة بأظفارنا أو ظفورنا الطويلة والحصول على الإسفلت الحار واللين ونُعبئه في الصولة قبل أن يبرد ويجف.. فتصبح الصولة ثقيلة في يد من يحملها وأمهر وأدق في التصويب أثناء لعب الكعابة.. وهناك طريقة أُخرى لجعل الصولة أثقل وأعلى قيمة عند بيعها أو شرائها وهي ملؤها بالرصاص المذاب.. يقوم بها المتنفذون في لعب وتجارة الكعابة.. إلا ان هذه قضية أُخرى لعلي أرويها في سوانح مقبلة بإذن الله.