أكثر من ثلاثة ملايين حاج في الوقفة الكبرى على صعيد عرفة وهذا الحشد الروحي لا نعتقد يماثله أي حشد في العالم وبمكان واحد وروح واحدة، ولعل المملكة التي تستضيف هذه المجاميع الهائلة، استطاعت، مع الأعوام، بناء هياكل فاعلة ومتطورة في الجوانب الأمنية والصحية وتوفير كل مستلزمات المياه والكهرباء والهاتف والنظافة وغيرها، ومن يقرأ الأرقام والاستعدادات يدرك مدى المسؤولية التي تحملتها أجهزة الدولة التي وظفت كل طاقاتها لهذه المناسبة السعيدة على كل مسلم.. المسألة ليس فقط بناء منظومة أعمال لحجاج قادمين من ثقافات وأجواء ومفاهيم ونسب متفاوتة بالتعليم والوعي، وأعمار تختلف بين الطاعن والطاعنة بالسن والشباب من الجنسين، وكل ذلك في مساحة محدودة، لكن الإرادة تهزم المستحيل، لأن المناسبة عظيمة بكل وجوهها، والقضية أن التعامل مع هذه الأجناس وبمدة محددة اقتضت خلق أعلى وأكبر الاستعدادات مما وضع المملكة في مواجهة كل التحديات، وكانت أهلاً لها، وهي شهادة جاءت من دول العالم الإسلامي كله التي رأت الحقائق، وكيف زادت توسعة الحرم المكي عشرات المرات، وأن المشاعر الأخرى، وصلت إلى تطورات فاقت التصورات، وكل هذا من أجل التغلب على تزايد أعداد الحجيج، وتعدد ظروفهم الصحية والاجتماعية.. المعاناة التي تواجهها المملكة ليست مادية أو أمنية فقط، وإنما الثقافة العامة للعديد من الذين يعيشون قيمة وعظمة المكان والزمان، والطلب من الله أن يتوفاهم في هذه البقاع، فتأتي التصرفات عكس التعليمات للأمن والسلامة، وكذلك الجهل بكل ما يتعلق بالحج، وقطعاً تعتبر المملكة كل ما يخص هذه المناسبة مسؤوليتها الأولى مهما تعالت القضايا والصعوبات.. لقد أصبحت تجربة الحج وإدارة الحشود مطلباً عالمياً في نقل تجربة المملكة والاستفادة منها، وهو أمر لم يكن سهلاً إذ إن استنفار جميع قطاعات الدولة وإمكاناتها المادية وتوظيف الكفاءات المختلفة من جميع الأجهزة، مع التخطيط للموسم قبل حلوله بشهور طويلة، أكسب المملكة خبرة هائلة، ولا ننسى أن مناسبة الحج حاولت العديد من الأنظمة إبعاده عن نهجه لتسييسه، وهو ما وقفت المملكة ضد أي فعل يناقض الهدف الأساسي لهذه الشعيرة، لأن الجوانب السياسية وخلافات الحكومات والمنظمات وغيرها جدلية طويلة ليس مكانها مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، وإنما هيئات دولية مخصصة، وعلاقات لا شأن للحج بها، والمشكل الأكبر أننا نعيش في منطقة يسودها الاضطراب والشحن المذهبي والخلافات الطائفية والقومية، ومع ذلك، فإن هذه الأجواء المتكهربة لم تعق جهود المملكة أو تعطلها لأن الغاية أعلى وأهم من أفكار بعيدة عن المناسبة الكبيرة، وقطعاً لابد من أخذ كل الاحتياطات، وهو ما استطاعت المملكة توفيره وتنظيمه..