لو سألت الناس حولك عن أعظم اختراع في التاريخ لتفاوتت أجوبتهم بتفاوت ميولهم واهتماماتهم.. فالسيارة أعظم اختراع بالنسبة لسائق التاكسي، والنظارة للمصاب بقصر النظر، والتبريد لتجار التجزئة، والفرن الكهربائي لربات البيوت. ولو سألتني شخصيا عن أعظم الاختراعات سيكون «الإيميل» في مقدمة قائمتي الطويلة (وإن كان لا يتقدم على الكهرباء والطباعة والانترنت ذاتها..) وقد لا يشاركني هذا الرأي من لا يعمل في قطاع الإعلام وتداول الأخبار وإرسال التقارير خلال جزء من الثانية.. فالإيميل أو البريد الإلكتروني يشكل اليوم حجر الزاوية في عمل الصحفيين والكُتاب وتسبب بتراجع الفاكس الى المركز الثاني بعد عقود من تحمله عبء العمل الإعلامي.. فكتاب الصحف مثلا يرسلون مقالاتهم للصحيفة بواسطة الإيميل - من أي مكان في العالم - دون الحاجة للحضور بأنفسهم.. والصحفي يمكنه صياغة وإرسال أي خبر يصادفه من هاتفه الجوال قبل وصوله لمركز الصحيفة أصلا.. هذه الميزة تعني أن الإيميل لم يختصر المسافات فقط، بل واختصر أوقاتا طويلة يمكن أن تضيع في بيروقراطية العمل اليدوي. وبطبيعة الحال أصبح الإيميل هذه الأيام ضرورة لا غنى عنها لقطاعات كثيرة يصعب حصرها.. وأذكر حين استعملته لأول مرة أنني توقعت تسببه باختفاء الطوابع والبريد التقليدي (الذي يسير أبطأ من السلحفاة مقارنة بالإيميل) وفي المقابل ارتفاع نسبة الطرود والمشتريات التي تصل للمنازل ومقار الشركات (كنتيجة طبيعية لطفرة التجارة الالكترونية التي يوفرها التواصل الإلكتروني)!! .. أما من الناحية التاريخية فيمكن القول إن الإيميل ظهر كنتيجة طبيعية لتواصل الشبكات الالكترونية؛ فحين تشبك ثلاثة كمبيوترات ببعضها البعض تستطيع من خلالها مشاركة المعلومات وتناقل البيانات بطريقة لحظية، وهو ما يحصل الآن بين ملايين الأجهزة حول العالم من خلال شبكة الانترنت. ولا أريدك هنا أن تخلط بين «التراسل الإلكتروني» ووجود برامج خاص بتنظيم البريد الإلكتروني مثل الهوتميل والجيميل.. ففي عام 1971 وقبل ظهور الانترنت ذاتها بعث مخترع الإيميل راي توملينسون هذه الكلمة الغريبة QWERTYUIOP كأول رسالة الكترونية في التاريخ (وهي في الحقيقة ليست كلمة بل أول حروف توجد في ثاني صف من لوحة الكمبيوتر). وكي يفصل بين اسم المستخدم واسم الموقع لم يجد أفضل من الرمز @ الذي يتواجد في أول صف من اللوحة.. ورغم البدء باستخدام المراسلات الإلكترونية منذ ذلك الوقت (داخل الشبكات الخاصة في الشركات والجامعات وقطاعات الجيش) إلا أنه لم ينتشر ويشتهر إلا بعد ظهور الانترنت وانفجارها حول العالم.. وكان على البشرية الانتظار حتى عام 1997 حين ابتكرت شركة ميكروسوفت برنامج «أوت لوك» كأول برنامج خاص بتنظيم البريد الإلكتروني. وبعده بأشهر قليلة اشترت برنامج «الهوتميل» من مبتكره الهندي صابر بانيا ب 400 مليون دولار (وابحث في النت عن مقال سابق بعنوان: مخترع البريد الساخن).. وقبل نهاية العام أطلقت شركة «ياهوو» بريدها الخاص الذي سيطر مع الهوتميل على هذا القطاع لفترة طويلة قبل ظهور برنامج ال «جيميل» عام 2004. واليوم يزيد عدد البشر عن سبعة بلايين انسان، منهم بليونان لا يملكون كهرباء، وأربعة بلايين لا يملكون كمبيوترات، وأكثر من بليون لا يستغني عن استخدام «الإيميل» بشكل يومي تقريبا!!