في سفح جبل القارة بالأحساء، وبين أحضان أشجار متنزه الاحساء الوطني اكتشفت مجموعة من الشباب أن المواقع السياحية بوابة يمكن أن يدلفوا من خلالها إلى عالم تطوير الذات واكتساب مهارات في فن التعامل مع الآخرين بطريقة عملية، بالإضافة إلى كونها بيئة خصبة يمكن أن تسهم في توفير مصدر للدخل لا ينضب على مدار العام. بدافع ذاتي ومؤازرة من الأهل وتشجيع ٍ لبعضهم البعض يحرص مجموعة من الشباب على التواجد في هذه المواقع السياحية في كل مواسم العطل والإجازات بحثاً عن مدخول يومي يستطيعون أن يبنوا ذاتهم ويعتمدوا على نفسهم، فمن مجموعة تبيع المشروبات الباردة ومعها المأكولات الساخنة، إلى أخرى تؤجر الحيوانات، إلى ثالثة تقدم الوجبات الخفيفة، كلها جمعها حب العمل، وأدركوا أن في السياحة الفرصة المرحبة التي توفر لهم مصدر دخل شريف وممتع وعلى مدار العام مع تفاوت المدخول حسب الموسم. مهدي ومحمد يبيعان المأكولات الملفت أن هؤلاء الشباب تجمعهم البساطة ومحبة بعضهم البعض دونما حسد أو غيرة، الشاب أحمد باقر الشيتي يمضي 3 ساعات يومياً في التجول بالصغار على ظهر فرسه الذي يؤجر الدورة الواحدة ب خمسة ريالات، ولا يجد أحمد الذي يدرس في المرحلة المتوسطة حرجاً، بل على العكس من ذلك يحرص على ممارسة هذه (الهواية) طوال العام ما عدا فترة الاختبارات. ويقدر مشعل المبارك دخله اليومي خلال مواسم العطل من إيجار البغل الصغير ب 120 ريالاً، ويعتبر مشعل هذا الدخل جيداً لكن هذا الدخل ينخفض إلى 50 ريالاً في الأسابيع العادية، ويشعر مشعل بالرضا حيث أنه - وعلى حد قوله - يمارس هوية يحبها منذ صغره. ورغم صغر سنه وجسمه إلا أن عبدالله فوزي الفرج الذي يدرس في الصف الأول متوسط لا يشعر بالخوف بل يسير بثقة ملفتة وهو ممسك بحبل في رقبة الجمل وهو يسير بين غابات الأشجار في متنزه الاحساء الوطني، ويبين أن مشواره الذي لا يتعدى عشرات الأمتار بعشرة ريالات، ويبهر عبدالله السياح وهو يتنقل بالجمل وهو حاملاً على ظهره راكباً. ويحرص مهدي عبدالله على إعداد البطاطس والبليلة بطريقة جذابة، حيث تجذب الرائحة جل زوار المنتزه الذي يعد المتنفس الوحيد في محافظة الاحساء، ويجهز عبدالله الذي يدرس في الصف الثالث الثانوي مأكولاته في وقت مبكر حيث يتواجد من الساعة الثانية ظهراً ولا يغادر المنتزه إلا ساعة غروب الشمس، وينفي أن يكون ممارسة للبيع وإعداد الوجبات الساخنة للمتنزهين أمراً محرجاً بالنسبة له أمام أقرانه، بل انه يدعو زملاءه للعمل مثله وكسب الرزق الحلال بأيديهم وعدم الاعتماد على آبائهم، ويحرص على التفنن في إعداد وجباته ويقتصر عمله على عطلة نهاية الأسبوع وفي المواسم. وإلى جواره يقف محمد العبيد الذي تخصص في بيع الحلويات والبسكويتات، ويؤكد محمد الذي يدرس في الصف الأول متوسط أن مستواه الدراسي جيد، كما أن إمكاناتهم المادية متوسطة لكن حبه للعمل والاعتماد على النفس دفعاه للعمل مع شقيقه. وتؤكد الهيئة العامة للسياحة والآثار في تقاريرها دوماً أن القطاع السياحي في المملكة هو أكثر القطاعات خلقاً للفرص الوظيفية، ولعل زيارة واحدة لجبل القارة أو متنزه الاحساء والطرق المؤدية لهما يثبت بجلاء دقة تلك التقارير، فسفح الجبل وطرقات المتنزه تعج بالزوار والسياح وكذلك بالباعة والشباب العامل الذي وجد في تلك المواقع فرصة ذهبية له لوظائف موسمية بل انها على مدار العام. إقبال كبير من المتنزهين للقيام بجولة على عربة الخيل عصامي «صغير» وجد العمل فرصة لبناء شخصيته