أشاد المشاركون في مؤتمر مكةالمكرمة الثالث عشر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في المؤتمر واعتبروها من وثائق المؤتمر، وبخاصة دعوته الرابطة إلى إعداد برنامج عملي لإشاعة ثقافة التضامن الإسلامي بين الشعوب المسلمة، ومساندة المملكة المتواصلة للرابطة ودعم جهودها، مقدرين للملك المفدى العناية بالرابطة وبرامجها . مناداة بالالتزام بالفتوى الجماعية في المسائل العامة ورفع المشاركون بالمؤتمر في بيان ختامي صدر في ختام أعمال المؤتمر أمس شكرهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على رعايته للمؤتمر، وجهوده في دعم الرابطة ومناشطها، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ولصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة على التسهيلات التي تقدمها للرابطة وبرامجها وهيئاتها . وأكدوا في بيانهم الختامي أن الإسلام هو دين الله الذي أكمله وارتضاه للبشرية ديناً ، وأودع فيه ما يكفل سعادة الدنيا والآخرة، وأن على المسلمين التمسك بالشريعة الإسلامية، والعضّ عليها بالنواجذ، وعدم التفريط في شيء منها وأن الإسلام رسالة عالمية تمنح الإنسان قيمته الحقيقية فتصله بربه، وتقيه من طغيان النزعة المادية، وتنمي في سلوكه ومعاملاته الفضيلة والقيم السامية، ليكون في مجتمعه عضواً صالحاً نافعاً، وأن الشريعة الإسلامية مصدرها الوحي الإلهي، منها ما هو ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وأن احتمل الاجتهاد في الفهم والتطبيق، ومنها ما يتسع لاختلاف الزمان والمكان، وفي ذلك من المرونة والسعة ما يكفل مناسبة الشريعة الإسلامية لمختلف المجتمعات على اختلاف العصور، وصلاحها لكل زمان ومكان . تنديد بممارسات بعض الدول الإسلامية التي تتعارض مع ثوابت الدين وقال البيان: "إن الثابت في الشريعة هي أصول الدين ومحكماته التي أجمع عليها المسلمون ، لا يجوز التفريط فيها أو التهاون في العمل بها بدعوى التحديث والتعامل مع المستجدات، وتشمل المعتقدات، وأحكام العبادات، ومبادئ الأخلاق، والمبادئ العامة في المعاملات، وهي أسس قويمة توحد المسلمين وتمنحهم الاستقرار والثبات ووحدة التطبيق وأن المتغير في الشريعة هو ما يراعى فيه اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، وفي التوسعة فيها رخصة من الله لعباده لاختيار الأصلح لهم، وتشمل الوسائل والأساليب، والفروع والجزئيات، ويناط بالعلماء الراسخين تحديدها وبيانها وتحريرها وفق فهمهم لنصوص كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام، ومبادئه العامة، وقواعد الشريعة الكلية، مع استيعابهم لمشكلات الواقع وتعقيداته، ومراعاتهم لاختلاف البيئات وظروفها " . وشددوا في بيانهم على أن الفتوى الجماعية أمنة من منزلقات الفتاوي الشاذة ؛ بخاصة في المسائل العامة التي لا ينبغي أن تكون محلاً للنظر الفردي، والأولى بطلاب العلم والمفتين إحالة هذه الفتاوى إلى المجامع الفقهية والهيئات العلمية، وأن ثنائية الديني والمدني فكرة غريبة عن ثقافة المسلمين، فالمجتمع المسلم مرجعيته الشريعة ومبادئها وأحكامها وقيمها، التي تعد هوية للأمة ومصدراً لثقافتها، ولن تنهض إلا بالتزام هدي شريعة الإسلام الغراء التي كمُل بها الدين، وأتم الله بها النعمة.. وإن الإسلام لا يمنع الاستفادة من التجارب الناجحة لدى الأمم الأخرى بما لا يتعارض مع نصوصه وأصوله ، فالحضارة إرث إنساني مشترك ، يستفيد منه الجميع، والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها . وأكد المشاركون في مؤتمر مكةالمكرمة الثالث عشر على التسامح والتعاون ورفض العنصرية والشعوبية ، وعدم الانسياق خلف الأفكار المسبقة التي أفرزتها تراكمات تاريخية مؤلمة كما أكدوا على حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم قررتها الشريعة الإسلامية بعدل وإنصاف وإحسان يسع الجميع، وقد أنصف الإسلام غير المسلمين، ونظم علاقتهم بالمجتمع المسلم ودعوة المجتمعات الإسلامية إلى استلهام دروس الماضي في بناء مستقبل يرسخ مبادئ الحوار القائم على الاعتراف المتبادل، واحترام الخصوصيات، والتعايش السلمي بين المكونات المختلفة للإنسانية، واستثمار نجاحات الماضي وتجاربه في صياغة برامج تحرص على السلم الاجتماعي وتتجاوز معوقاته، وتتصدى للتحديات المشتركة التي تتهدد مستقبل الإنسان ووجوده وقيمه. و أهمية مشروعات الحوار الوطني، وتعزيز الوحدة بين مكونات المجتمع، وأنها جسر لتحقيق الوحدة الشاملة للأمة حول أصول الشريعة ومقاصد الرسالة. ودعا المؤتمر رابطة العالم الإسلامي إلى مواصلة جهودها في عقد المؤتمر الثاني «العالم الإسلامي .. المشكلات والحلول» ، وبين أن علاج مشكلات الأمة وأزماتها المستجدة لا يتحقق إلا بالتعاون الصادق بين المؤسسات الرسمية والشعبية والعلماء وأهل الرأي، كما دعا رابطة العالم الإسلامي إلى تكوين هيئة حكماء تتعاون مع مراكز الأبحاث والهيئات والمنظمات المختصة في الأمة الإسلامية، لوضع رؤية واضحة للتعامل مع المتغيرات من خلال النظر في ثوابت الإسلام ومقاصده، وتلمس هديه فيما يجد من نوازل وفق ضوابط الشريعة ومرونتها واتساعها لمصالح العباد في الحال والمآل. وحذر المؤتمر من تيارات التغريب الداعية إلى تغييب الإرث الحضاري الإسلامي في معالجة مستجدات الواقع، والأخذ بمعايير وافدة لا تتوافق مع قيم الإسلام ونظمه وتشريعاته، وأوصى الهيئةَ العالمية للعلماء المسلمين التابعة للرابطة بالتواصل مع علماء الأمة للتعاون في ربط شباب الأمة بدينها ووسطيته التي تحميهم من الإفراط والتفريط. ونوه المؤتمر بجهود الرابطة في تنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار الحضاري، ودعاها إلى عقد المزيد من مؤتمرات وندوات الحوار مع أتباع الأديان وفق الضوابط والأهداف والآليات التي رسمها مؤتمر مكة الإسلامي العالمي للحوار الذي عقدته الرابطة في مكةالمكرمة عام 1429ه. وأفاد المؤتمر أن تعزيز التضامن الإسلامي من أولويات خطوات المسلمين تجاه وحدتهم واستعادة مكانتهم الحضارية، والواجب على المسلمين جميعاً الالتفاف حول كتاب الله وسنة رسوله ، والاعتصام بهما وكذلك دعا المؤتمر رابطة العالم الإسلامي إلى العمل على إشاعة ثقافة التضامن والوحدة بين الشعوب الإسلامية، وذلك بعقد مؤتمرات واتفاقات ثنائية وشراكات؛ بمشاركة واسعة من علماء الأمة وحكمائها. واستنكر المؤتمر ممارسات سلطات الاحتلال في مدينة القدس الشريف، التي تهدف إلى تغيير الهوية العربية والإسلامية للمدينة، والإساءة لحرمة المسجد الأقصى المبارك بالسماح لليهود بالصلاة في ساحاته داعياً إلى تحرك عربي وإسلامي لتحرير القدس، وفك أسر أقصاها المبارك، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف. وحذر من الطائفية البغيضة التي تنذر بمزيد من تمزيق صف المسلمين وتفتح الأبواب للمتربصين للتدخل في شؤونهم الداخلية، وندد بممارسات بعض الدول الإسلامية التي تتعارض مع ثوابت الإسلام ونهجه القويم الداعي إلى الوحدة حول أصول الإسلام . وناشد المؤتمر - باسم علماء الأمة وأهل الرأي فيها - الذين يؤججون الفرقة الطائفية بالتوقف عن إثارة المشاعر الطائفية التي تضعف شوكة المسلمين، وتزرع الخلاف والأحقاد بينهم، وتؤسس لفتنة كبرى يعم شرها الجميع. كما استنكر المؤتمر ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر دموية محملاً النظام الحاكم في سورية مسؤولية هذه الدماء، وطالبه المؤتمر بالانصياع إلى إجماع الأمة؛ حكومات وشعوباً على وجوب إيقاف نزيف الدم وهدم المدن وقتل الآمنين وزراعة الرعب، وطالب المجتمع الدولي بالتحرك نحو تحمل مسؤولياته في إنهاء هذه المأساة ، ومحاكمة المسؤولين عنها، وتعويض المتضررين، وإغاثة اللاجئين في الداخل السوري ودول الجوار. وندد المؤتمر بما يثار من افتراءات محمومة على الإسلام ونبيه، وعدها جزءاً من الدعوة المشينة إلى صدام الحضارات، التي تعبر عن جهل بيِّن بطبيعة الإسلام وأصوله، وتأثر غير موضوعي بالأفكار المسبقة المصطبغة بروح العداوة التاريخية ، ودعا المؤتمر المؤسسات الإسلامية الإعلامية والقانونية إلى التعاون مع رابطة العالم الإسلامي والهيئات المعنية بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وفضح الافتراءات عليه، والتعريف به صلى الله عليه وسلم وبدينه ؛ مع التأكيد على أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم تكون وفق هديه ومنهاجه؛ بعيداً عن صور الاعتداء على السفارات والبعثات الدبلوماسية؛ باعتبارها تحكم بمواثيق دولية ينبغي الوفاء بها، وبعيداً عن الاعتداء على الأنفس والأموال المحرمة . وشجب المؤتمر الإرهاب محذراً من تيارات التشدد والغلو؛ والدعوة إلى نشر ثقافة الحوار والوسطية، واتباع الكتاب والسنة، وفهمهما وفق فهم السلف الصالح ؛ بعيداً عن الإفراط والتفريط. ودعا إلى تكثيف الجهود في الدعوة إلى تطبيق منهج الإسلام في الإصلاح والتغيير ورعاية الأولويات والمآلات، وخصوصيات كل بلد. وطالب حكومات الدول الإسلامية بتطبيق شرع الله والتحاكم إليه، فهو الطريق الأسلم للتهذيب والإصلاح الفردي والمجتمعي. وناشد وسائل الإعلام التعاون مع علماء الأمة في التصدي لموجات التشكيك في قدرة الإسلام على إصلاح الحياة المعاصرة، والتأكيد على مواكبته لحركة المجتمع بنور من الله وبرهان. وفيما يخص المؤسسات الدعوية والعلمية دعا المؤتمر إلى تجديد الخطاب الديني وترشيده بما يتلاءم مع مقتضيات العصر، واستحضار البعد الإنساني للإسلام، والتزام مفاهيم الاعتدال والموضوعية والعمق ، والنأي عن سوأتي الغلو والجفاء، والتركيز على بيان محاسن الإسلام، وإبراز سبقه في الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام الحريات المشروعة . والبعد عن أساليب الانفعال والارتجال والتقليد الأعمى، ومراعاة فقه الأولويات والتدرج في الإصلاح والمعالجة؛ بما يحقق المقاصد الشرعية التي أنزل الله لأجلها الكتب وأرسل الرسل. وإبراز خصائص الشريعة الإسلامية، وبيان معالجتها للوقائع المتجددة بما أودع الله فيها من حكمته وواسع رحمته وتنمية وعي المسلمين بضرورة تطبيق الإسلام في حياتهم، لما فيه من مرضاة لربهم، ولِما له من أثر بالغ في استعادة مكانتهم الحضارية. وتطوير وسائل الدعوة والاستفادة من التقنية ووسائط الاتصالات ووسائل الإعلام الحديثة للتعريف بحقائق الإسلام، ووضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج الشاملة لتطوير المؤسسات الدعوية بما يمكنها من مواجهة تحديات الحاضر واستشراف المستقبل. ودعم المجامع الفقهية لتقوية الاجتهاد الجماعي وتطويره ، وبيان الثوابت، والتفريق بينها وبين المتغيرات، وترشيد المؤسسات المعنية وحفزها على الالتفاف حول الثوابت، والتوافق ما أمكن حول المتغيرات مع ضرورة المحافظة على أدب الاختلاف واجتماع الكلمة ووحدة الصف، وعدم الانجرار إلى التشرذم المفضي إلى الفشل والفرقة والنزاع. ودعا المؤتمر المجامع الفقهية إلى بيان الموقف الشرعي في كل نازلة تحتاج إلى نظر، ودعوة فقهاء الأمة العالمين بنصوص الوحيين، العارفين بمسالك النظر والاستنباط، المتبصرين بأحوال العصر؛ إلى حمل مسؤولية الفتيا وإرشاد الناس إلى مراضي ربهم؛ منعاً من تخبط أهل الأهواء مؤكداً ضرورة التواصل المستمر معها، وعلى أنها جزء مهم من الأمة المسلمة؛ فالمسلمون جسد واحد وإن نأت ببعضهم المسافات وتباعدت بهم الأقطار. وأعرب المؤتمر عن استنكاره لما يتعرض له المسلمون في ميانمار من اضطهاد ديني ومذابح مشينة داعياً حكومة ميانمار إلى الاعتراف بحقوق المسلمين الروهينجا، وإعطائهم حقوق المواطنة العادلة. ورحب المؤتمر باتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية وحث على حل كافة النزاعات المشابهة بالحوار؛ وصولاً إلى سلام عادل يصون حقوق الجميع. ودعا المؤتمر المسلمين في مجتمعات الأقليات المسلمة إلى الاستمساك بخصوصيتهم الدينية، والاعتزاز بانتمائهم الإسلامي، وتعزيز مناشطهم بما يحفظ هويتهم ، ويجنبهم خطر الذوبان والتلاشي ؛ مع التأكيد على الإسهام الإيجابي والتعايش البناء في البلدان التي يقيمون فيها كما دعا المؤتمر حكومات العالم إلى مراعاة خصوصية الأقليات المسلمة والاعتراف بدينهم، وسن القوانين التي تحفظ للأقليات حقوقها على أساس من المواطنة والعدالة الاجتماعية، وعدم الانسياق إلى ثقافة الهيمنة الحضارية التي تعتدي على خصوصية الآخرين، وتنال من هويتهم الثقافية. و توظيف كفاءاتهم في خدمة قضايا الأمة المسلمة، والإسهام في تنمية مجتمعاتهم واستكشاف القواسم المشتركة التي يدعو الإسلام إلى التعاون فيها لإشاعة قيم الرحمة والعدل، . والتصدي بالحكمة لحملات الإساءة إلى الإسلام، وأن يكونوا جسور تعارف وطلائع هداية، والحذر من مزالق ردود الأفعال التي تؤثر على دورهم في التعريف بالإسلام والدفاع عنه، وتعمق النظرة السلبية عن المسلمين في العالم. ولفت المؤتمر إلى أهمية إنشاء رابطة العالم الإسلامي هيئة إسلامية عالمية تعنى بالأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي، تهتم بدراسة مشكلاتها، وتقديم العون لها في مواجهة التحديات التي تعيق إسهامها الحضاري في مجتمعاتها؛ وذلك تنفيذاً لما صدر عن مؤتمر «رابطة العالم الإسلامي .. الواقع واستشراف المستقبل» الذي عقدته الرابطة في عام 1431ه. وفيما يخص المجامع الفقهية دعا المؤتمر إلى دراسة فقه الأقليات في ضوء الأوضاع التي تعيشها، والتركيز على ما يراعي خصوصياتها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية. وشكر المؤتمر رابطة العالم الإسلامي وسماحة رئيس مجلسها الأعلى ومعالي الأمين العام على جهودهم.