لا تعجب حينما تعلم أن العملاق الاقتصادي الياباني لا ينزل عن المراتب الخمسة الأولى في معظم الصناعات التي يحتاجها العالم؛ مع أنّه يعمل وسط بيئة تنافسيّة عالميّة شديدة الشراسة وظروف جغرافيّة ضاغطة وشحّ في المصادر الأوليّة. لا أسرار ولا معجزات وراء النجاح التنموي والاقتصادي في "اليابان"، باختصار هي إرادة التحدي وإدارة الإنجاز التي جعلت "اليابان" الاقتصاد الثاني في العالم منذ سنة 1968 حتى 2010 حين تجاوزها التنين الصيني. هنا لا يتحدّث معك اليابانيون في شأن ثقافي أو سياسي إلّا كمفتاح للحوار ثم تجدهم لا يلبثون إلا قليلا حتى يحوّلوا الحديث ببراعة إلى مناقشة وبحث سبل الحصول على مزيد من الفرص لتسويق السلع والمنتجات اليابانيّة في أسواق المملكة. كنّا في ندوة نناقش الصور الذهنيّة المتبادلة وسبل تصحيح الصور التي تبثها الوسائل الوسيطة بين الحضارتين العربيّة واليابانيّة فوجدنا أحد المشاركين اليابانيين يقفز إلى موضوع آخر وهو يحكي قصة تجوله في شوارع الرياض في الصيف الحار وكثرة المكيفات في المنازل متحسّرا على ان معظم هذه المكيفات من الصناعات الكوريّة والصينيّة. على الجانب الآخر لا بد من الإقرار أن نظام العمل والصرامة اليابانيّة افرز العديد من المشكلات النفسيّة والصحيّة إذ يلاحظ الماشي في شوارع "أوساكا" ومثلها "طوكيو" إقبال الناس بعد ساعات العمل على شرب الخمور بنهم، وقضاء الوقت على مقامرات الألعاب الإلكترونيّة التي تضج بها الشوارع والأسواق. ويقر اليابانيون بأنهم بدأوا يعانون فعلا من اختلال النظام العائلي سيما وأن نسبة الإناث اعلى من نسبة الذكور ومعدل وفياتهم اعلى كذلك ناهيك عن تناقص نسب الشباب بسبب قوانين العمل وطبيعة الحياة الفرديّة وأنظمة تحديد النسل. والسؤالان الرئيسان هما: كيف يمكن نقل التجربة اليابانيّة في جانبها الإيجابي إلى بلادنا؟.. هل يمكن أن نبدأ مثلا بزيادة عدد المبتعثين السعوديين إلى "اليابان "من 480 مبتعثا حاليا إلى 10 آلاف مثلا؟ ولا تتساءل عن دور رجال الأعمال السعوديين شركاء اليابانيين فصغارهم يريدون ان يكبروا وأكابرهم مشغولون بالاحتيال على أنظمة الاستيراد وإقرارات الزكاة والدخل وتمويل المزيد من الفرقعات الإعلاميّة. أولويات اليابانيين الاقتصاديّة والمصلحيّة واضحة وحين تسألهم عن تفاصيل أخرى يقولون إنهم عرفوا السعودية من خلال التجار ولا يناقش هؤلاء معهم إلا تفاصيل ما يعظم أرباحهم بتقليل خدمات ما بعد البيع ناهيك عن البعد الثقافي للشراكة السعوديّة اليابانيّة. ولعلّ هذا بعض ما لمسناه في جولتنا اليابانيّة حيث لم نجد أثرا لمشروع أو (سالفة) جادة تروى عن رجال الأعمال السعوديين في هذا الشأن؟ والأسوأ من ذلك أننا وجدنا جودة البضائع اليابانيّة رائعة مقارنة بما يردنا التي تبدو أقل من حيث المواصفات الفنيّة واقبح في الشكل العام ولا تسأل عن "رداءة" خدمة ما بعد البيع التي تعد شأنا يابانيا مقدّسا. ** مسارات.. قال ومضى: ظلّت نبتة "العليق" (تتسلّق) جذع النخلة طوال الليل حتى جاوزتها وهي تنظر (باستعلاء)، ولما غشيتها شمس الصباح علاها الاصفرار لتبدو مع الغروب هشيما تذروه الرياح وبقيت النخلة تسمو في شموخها.