.... لقد مات عمي !..... وتحجرت الدموع في عيني، فهل لي بصبر فوق صبري ليساعدني على فقده؟!... قال لي ذات مساء بعيد في عزاء والدي رحمه الله:لا تبك يا بني، فالدموع لن تعيد والدك، عليك بالدعاء والصدقة فهما ما بقي لوالدك في قبره... وتتابعت السنون فوجدتني أنقل ما قاله عمي لأبنائه من بعده... لم يكن هو عمي... بل أبي، فحين فقدت أبي ذات يوم في حادث سيارة، التفت يمينا وشمالاً ولم أجد غير صدر عمي رحمه الله يحضنني من تعب الحياة... رحمك الله يا عماه، ففوق أوجاعك تحملت أوجاعي، وفوق همومك كانت همومي، رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته... إن الحرف ليلجمه الذهول، وان اللسان ليعجز عن الكلام، فكيف بالله أقول ما بداخلي عن عمي وهو أكبر من قدرة عقلي على الكتابة، وقدرة لساني على الوصف.... اليوم دفنت عمي، دفنت معه الطيبة والوفاء، دفنت معه الحنان والدفء، دفنت معه ابتساماتي ونظراتي للحياة، لأجد نفسي عارياً، أبحث عن ما علمني إياه عمي ولم أجده، فقد كان هو رحمه الله منبع ما علمني إياه!... فهل لي بقلب كقلب عمي؟!... هل هناك أعين تراني كما كان يراني عمي؟!... هل هناك رجل بمواصفات عمي؟!... ورب محمد لا أحد يأخذ مكانه مهما عمل، ولن أجد في فقده سوى الصبر والدعاء... تمنيت أن أراه وأقبل جبينه قبلة الوفاء التي علمني إياها، أن أحادثه بطيبته التي لن أشعر بها من بعده، رحل عمي ورحلت كل القيم والمثل، رحل عمي وبقيت ذكراه، ومن يخلف وراءه تلك الذكرى العطرة سيبقى خالداً في القلوب البيضاء.... لتعذرني يا عمي على تقصيري معك، لتعذرني يا عمي فأنا لن أراك ثانية، فلتسامحني بقلبك الكبير الذي علمنا ما كنا نجهل، فالحياة على دربك يا عمي لن تسود في وجوهنا، ولن نحيد على الصواب فيكفي انني ابن أخيك وأنت عمي، يكفيني ذلك فخراً واعتزازا... رحمك الله يا عمي رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وألهمنا بفقدك الصبر والسلوان يا عزيز يا كريم.