قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً).. البخاري ومسلم. والحج جامعة إيمانية عالمية عظيمة، يتلقى فيه المؤمنون جميعاً الدروس العظيمة والفوائد الجليلة والعبر المفيدة في شتى مجالات الحياة المختلفة. والحج يطهر النفس من الأحقاد والبغضاء والحسد والنفاق والرياء والظلم، ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص في القول والعمل، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظن بالله تعالى. والحج يُقوِّي الإيمان، ويعين على تجديد العهد مع الله، ويساعد على التوبة الخالصة الصدوق. والحج إظهار العبودية لله وشكر النعمة، وتعميق الأخوة الإيمانية بين المؤمنين. وللحج منافع وفوائد عظيمة، فهو جامعة عالمية للمسلمين، يستفيدون منه فوائد دينية، وتربوية واقتصادية وأخلاقية بالممارسة الفعلية للعلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو فرصة يتداول فيه المسلمون أوضاع بلادهم، وشؤون شعوبهم، وهمومهم وحل مشاكلهم وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم... ليحققوا استخلاف الله لهم في الأرض لاعمارها والاستفادة من كنوزها ولإقامة العدل وعدم اتباع الهوى لقوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).. (ص..26).. وقد اتفق العلماء جميعاً على فرضية الحج مرة في العمر بدليل الكتاب والسنة. ومن فوائد الحج أن المسلمين يجتمعون في وقت واحد وموضع واحد على عمل واحد، ويتصل بعضهم ببعض ويتم التعاون والتعارف ويكون وسيلة للسعي في تعرف المصالح المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسب القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والأخوة الإيمانية.. ويرتبط أقصى المسلمين بأدناهم فيتفاهمون ويتعارفون ويتشاورون في كل ما يعود بنفعهم، وبذلك يكتسب العبد من الأصدقاء والأحباء ما هو أعظم المكاسب ويستفيد بعضهم من بعض. أما توابع ذلك من المصالح الدنيوية بالتجارة والمكاسب الحاصلة في مواسم الحج ومواضع النسك فإنها تفوق العد، وكل هذا داخل في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) (الحج5)، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات 13)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).. البخاري.. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى).. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا فرق بين أبيض ولا أسود إلا بالتقوى...) موسم عظيم لا يشبهه شيء من مواسم الأقطار، كم أنفقت فيه نفائس الأموال.. وكم أتعبت في السعي إليه الأبدان.. وكم حصل فيه شيء كثير من أصناف التعبدات، وكم أُريقت في تلك المواضع العبرات وكم أُقيلت فيه العثرات وغُفرت الذنوب والسيئات، وكم فُرجت فيه الكربات، وقُضيت الحاجات.. وكم ضج المسلمون فيه بالدعوات المستجابات.. وكم تمتع فيه المحبون بالافتقار إلى رب السموات، وكم أسبغ البارئ فيه عليهم من ألطاف ومواهب وكرامات، وكم عاد المسرفون على أنفسهم كيوم ولدتهم الأمهات، وكم حصل فيه من تعارف نافع واستفاد به العبد من صديق صادق، وكم تُبودلت فيه الآراء والمنافع المتنوعة، وكم تم للعبد فيه من مآرب ومطالب متعددة، ولله الحمد والمنة على ذلك. سائلا الله للجميغ حجا مبرورا وسعبا مشكورا وذنبا مغفورا.