«ملالة» ليست صورة غلاف لنجمة سينمائية، أو عارضة أزياء، أو لاعبة جمباز موهوبة، بل فتاة باكستانية لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها، وقفت بقوة وشجاعة ضد ممارسات طالبان لمنع البنت الباكستانية من ممارسة حقها في التعليم، وظلت رمزاً لفتاة تجاوزت محظورات الغياب العقلي والإنساني، وحتى الروحي لإرهابيي طالبان، لكنها، وهي مع زميلاتها في الحافلة صعد مسلحون وأطلقوا النار على رأسها وكتفها وأصابوا زميلات لها، والواقعة أحدثت سخطاً عالمياً ليس على طالبان، وإنما من وجدها فرصة لوضع الإسلام والمسلمين في قفص الاتهام في التعميم عليهم بالإرهاب ومحاربة العلم، وكل ما ينتمي للتقدم الحضاري.. من حق المسلمين الوقوف ضد تشويه صورة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وملاحقة من يسيء إليه، وأيضاً من حق العالم استنكار أن تُهدم آثار لآلاف السنين لم يعترض عليها مسلمو أفغانستان الأوائل، عندما أقدم متطرفون على تهديم تماثيل (باميان) وفي عالم أصبح الحدث ينتقل في لحظات، فإنه من غير المنطقي أن تُعالج المطالب والآراء بحسمها بالقتل، فهذه ليست من الشريعة الإسلامية ولا مبادئ الدين، و(ملالة) ليست الوحيدة التي ذهبت ضحية الفهم البدائي للدين، فهو من أخرج العالمات والفقيهات والبطلات اللائي شهد لهن التاريخ، لكن عندما تفسر أحكام الدين الإسلامي خارج نصوصها ومقاصدها، يسهل لكل جان ومستبد، ومتطاول على الدين أن يحترف الإرهاب والقتل حتى لفتاة قاصر، كل أسلحتها آراؤها وأقوالها ودون أن تعتدي أو تتطاول على الإسلام وعقيدته.. الحادثة يجب أن لا تترك كواقعة لضحية من قبل إرهابيين، بل على المجتمع الإسلامي أن يقف ويدين ويرفض هذا السلوك لإظهار وجه الإسلام الحقيقي، أما أن نصمت فهناك من سيضعنا في صف الجناة، والمبادرة في مثل هذه المواقف تحتاج إلى رأي نشط لا يرى فقط إلا ما يتعلق بشؤونه مع أن قتل (ملالة) يبقى في ذمة كل مسلم يرفض هذا التصرف اللاإنساني.. الجريمة بشعة، وصورتها سوف تكون تصديقاً لمن يباشر نقده وسخطه على المسلمين جميعاً، ونموذج طالبان، حتى لو حصر في فئة هامشية، قياساً لتعداد المسلمين فالصورة السلبية تعلن عن نفسها بشكل مباشر وسريع، وقتل فتاة في هذه السن ونتيجة مطالب مشروعة، ولمجرد أنها انتقدت المنظمة الإرهابية، لا يسوّغ القتل، غير أن طالبان لن تغيّر من نمط أفكار تابعيها، والمسلمون مطالبون بوقفة تاريخية ضد أي ممارسات تشوه صورتهم ودينهم، كما أن خروج المجامع والمنظمات والهيئات الإسلامية استنكاراً لهذه الممارسات اللإنسانية ، يظهر الوجه الحقيقي لدين تسامح مع غير معتقديه، ودافع عنهم وحمى مقدساتهم، وهو سبب يجعلنا نقف مع حقوق المرأة والإنسان باعتبارنا جزءاً من عالم يدين أي فعل يناقض الحقوق والأديان..