في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2012، توصلت الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية إلى اتفاق إطار، يهدف لإقامة منطقة حكم ذاتي في الأقاليم التي يشكل فيها المسلمون غالبية في جنوب البلاد. وتقرر أن يُوقع هذا الاتفاق بصورته الأخيرة قبل نهاية ولاية الرئيس الفلبيني الحالي، بينينو أكينو، في العام 2016. وسيحمل الكيان الجديد اسم " بانغسامور". في المجمل، يُمكن النظر إلى قضية المسلمين في الفلبين باعتبارها واحدة من أكثر قضايا الأقليات الإسلامية في العالم شداً للانتباه بالكثير من المعايير. وقد اتحدت عوامل الجغرافيا والتاريخ ونمط التحالفات السياسية للدولة الفلبينية لترسم تعقيداً غير مألوف في الواقع السياسي لمسلمي البلاد. وستحدد جغرافية منطقة الحكم الذاتي وصلاحياتها الدستورية عن طريق استفتاء عام، يقرر فيه الشعب الفلبيني موقفه من الاتفاق المبرم بين الحكومة وجبهة تحرير مورو الإسلامية. وستحصل منطقة الحكم الذاتي الجديد، في حال إقرارها، على المزيد من الصلاحيات السياسية والاقتصادية، ونصيب أكبر من إيرادات الموارد الطبيعية، ودور أكثر نشاطاً في الأمن الداخلي. وقد حرصت حكومة مانيلا على التأكيد للمواطنين بأن كيان الحكم الذاتي القادم سيلتزم بالدستور "لضمان أن البلاد ستظل دولة واحدة وشعباً واحداً. وأن الحكومة المركزية ستواصل ممارسة الاختصاصات الحصرية بشأن الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، وكذلك السياسة النقدية والعملة والجنسية والتجنس". وينص الاتفاق على إنشاء لجنة من 15 عضواً، مهمتها الدخول في تفاصيل المبادئ المثبتة في الاتفاق الإطاري، على أن تقوم خلال عامين بصياغة هذه التفاصيل ضمن قانون خاص لإنشاء منطقة الحكم الذاتي. وستقوم جبهة مورو الإسلامية خلال هذه الفترة بتنفيذ برنامج تدريجي لحل وحداتها العسكرية "التي تصبح بلا فائدة"، وفق نص الاتفاق. وقد جرى التوصل للاتفاق خلال محادثات في العاصمة الماليزية كوالالمبور. ورحبت به على نحو فوري الولاياتالمتحدة الأميركية، وتعهدت بدعمه. ويمتد تواجد الأقلية الإسلامية في الفلبين على أراض تتجاوز مساحتها 116 ألف كيلومتر مربع. وهو ما يزيد على ثلث مساحة البلاد الإجمالية البالغة 300 ألف كيلومتر مربع. وقال الرئيس أكينو إن اتفاق الحكم الذاتي السابق، الموقع في العام 1989 مع جبهة مورو، يُعد "تجربة فاشلة"، لأنه أدى إلى "استمرار الشعور بالغربة لدى كثير من الناس، الذين لم يجدوا وسيلة للتعبير عن حزنهم إلا عبر فوهة البندقية". وتنقسم الفلبين من الناحية الإدارية إلى اثنتي عشرة منطقة وثلاثة وسبعين إقليمياً، هذا بخلاف التقسيمات الفرعية إلى مدن ومراكز وأحياء. وفي حين يقوم المحافظون بحكم الأقاليم، فإن العمد والرؤساء يحكمون المدن والمراكز والأحياء ويعين كافتهم بالانتخابات. وكان الرئيس أكينو قد تعهد بُعيد وصوله للسلطة بإيجاد حل عادل ونهائي لقضية الأقلية الإسلامية، التي أخفقت كافة الحكومات السابقة في بلورة مقاربات متوازنة بشأنها. وشكل الرئيس فريقاً خاصاً من الخبراء في شؤون مسلمي البلاد، ليشرف على إدارة المفاوضات المباشرة معهم. كما أنشأ مفوضية خاصة تحت إدارته باسم "المفوضية الوطنية للمسلمين الفلبينيين". وأعلن أكينو فور وصوله للسلطة نيته تأسيس صندوق لإعانة المشردين بسبب القتال، في جزيرة مينداناو، حيث تتركز الأقلية المسلمة. وفي إطار المقاربة ذاتها، أجلت مانيلا انتخابات إقليمية كان مقرراً إجراؤها، وأصدرت بدلاً من ذلك قانوناً حددت بموجبه شهر أيار/ مايو 2013 موعداً للانتخابات، بهدف إتاحة الفرصة للحكومة لتنفيذ إصلاحات مالية في المناطق الإسلامية. واجتمع الرئيس أكينو إلى زعيم جبهة مورو الإسلامية، مراد إبراهيم، في العاصمة اليابانية طوكيو في الرابع من آب /أغسطس 2011، وذلك في محاولة للدفع بفرص التسوية السياسية. وقد أدى الصراع الدائر في جنوب الفلبين منذ أربعة عقود إلى سقوط 120 ألف قتيل، وتشريد مليونين آخرين، وعرقلة النمو والاستثمار في المناطق الإسلامية. وفي صيف العام 2008، اندلعت مواجهات عنيفة بعد قرار المحكمة العليا الفلبينية تجميد اتفاق يمنح جبهة تحرير مورو السيطرة على جزء كبير من جزيرة ميندناو الجنوبية. وكان الاتفاق، الذي توسطت فيه ماليزيا، قد هدف إلى توسيع منطقة الحكم الذاتي في ميندناو، وإعطاء أية حكومة إقليمية، تُشكل مستقبلاً سلطات اقتصادية ومدنية موسعة. ولا يُصنف المقاتلون التابعون لجبهة مورو الإسلامية ضمن الجماعات المتشددة، ولا تشملهم القوائم السوداء المعتمدة لدى الدول الغربية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الجيش الفلبيني لم يميز بينهم وبين أية جماعة متشددة، وقد استخدم هذا الجيش في معاركه مع الجبهة مختلف الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك راجمات المدفعية، فضلاً عن المروحيات الهجومية المتقدمة. ويتركز مسلمو الفلبين في جزيرة ميندناو، في القسم الجنوبي من البلاد، الذي يضم مجموعة أخرى من الجزر، يطلق عليها أرخبيل سولو. وتعتبر جزيرة ميندناو ثاني أكبر جزر الفلبين، بعد جزيرة لوزون. وتتفاوت كثيراً التقديرات الخاصة بعدد مسلمي الفلبين، حيث تعدهم بعض المصادر بخمسة ملايين نسمة، في حين تشير مصادر أخرى إلى أن هذا العدد يصل إلى عشرة ملايين، من أصل إجمالي سكان البلاد، الذي تجاوز في العام 2011 المائة مليون نسمة. وقد وصل الإسلام إلى الفلبين عن طريق التجار في القرن الثالث الهجري، وبدأت تظهر سلطنات إسلامية مستقلة، خاصة في مانيلا والجنوب. وإضافة لدورهم الكبير في المقاومة الوطنية ضد المستعمرين الأسبان، كان لمسلمي الفلبين حضورهم المشهود والفاعل في مقاومة الغزو الياباني وتحرير الفلبين. وحصولها تالياً على الاستقلال عام 1946. وقد تمتع المسلمون في مرحلة ما بعد الاستقلال بحرية العمل، تحت قيادة اتحاد مسلمي الفلبين، المعترف به رسمياً. بيد أن الدكتاتور فرديناند ماركوس عمل على محاربة الأقلية الإسلامية وتمزيق صفوفها، والدس بين زعاماتها، والاستيلاء على أراضيها. كذلك، شجع ماركوس عصابات يمينية متطرفة على شن هجمات دموية على القرى الإسلامية، كما حارب الهوية الثقافية للمسلمين، في التعليم، والمعاملات الاجتماعية والقانونية. وقام ماركوس بإعلان الأحكام العرفية، وفرض الطوارئ، اعتباراً من أيلول/ سبتمبر من العام 1972، الأمر الذي عنى مزيداً من الضغوط على الحقوق الأساسية للأقلية المسلمة. وفي المجمل، يُمكن النظر إلى قضية المسلمين في الفلبين باعتبارها واحدة من أكثر قضايا الأقليات الإسلامية في العالم شداً للانتباه بالكثير من المعايير. وقد اتحدت عوامل الجغرافيا والتاريخ ونمط التحالفات السياسية للدولة الفلبينية لترسم تعقيداً غير مألوف في الواقع السياسي لمسلمي البلاد. وإذا كانت معطيات الحرب الباردة قد خدمت، لظرف من الزمن، واقع الأقليات الإسلامية في بعض مناطق العالم، فإن هذه المعطيات دفعت في الاتجاه المقابل بالنسبة لمسلمي الفلبين. فقد أدت رغبة المعسكر الغربي في المحافظة على الرئيس ماركوس، من أجل مواجهة المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا، إلى تجاهل هذا المعسكر للواقع المأساوي لمسلمي البلاد، وعدم التجاوب مع مطالبهم الوطنية المشروعة، أو ممارسة أي ضغط على السلطات الفلبينية. ومع أفول نجم الحرب الباردة وتراجع المكانة الجيوبوليتيكية للدولة الفلبينية، وتخلي الغرب عن نظام ماركوس، وتشكيل حكومة ديمقراطية في مانيلا، كان من المنتظر حدوث تغيير فعلي في المقاربة الخاصة بقضية الأقلية المسلمة، إلا أن الحكومة الجديدة، بزعامة السيدة الراحلة، كورازون أكينو، قد وجدت نفسها مطوقة بإرث صعب ومعقد، وفي مواجهة قوى نافذة في المؤسسة العسكرية تعمل على إدامة الوضع القائم. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما لم تستطع الرئيسة الراحلة كورازون من تحقيقه يبدو اليوم في طريقه للتحقق عبر سياسات ابنها الرئيس بينينو أكينو. وفي خطابه الذي ألقاه بمناسبة الاتفاق الجديد، قال الرئيس أكينو إن "هذا الاتفاق الإطاري يمهد الطريق لسلام دائم في ميندناو.. وينشئ كياناً سياسياً جديداً، يستحق اسماً يرمز ويكرّم ويجسد هذا الجزء من بلادنا. الاسم سيكون بانغسامورو". وأشار أكينو إلى أن الاتفاق "يشمل كل المجموعات الانفصالية السابقة"، مؤكداً أن "جبهة مورو الإسلامية لم تعد تطالب بدولة مستقلة. وهذا يعني أن الأيدي التي حملت البنادق في الماضي ستلقيها، من أجل حرث الأرض وبيع المحصول، وإدارة محطات العمل وإتاحة الفرصة لمواطنين آخرين". وقال الرئيس أكينو: "هذا الاتفاق الإطاري يتعلق بالتسامي عن تحيزاتنا. يتعلق بأن ننحي جانباً الشك وقصر النظر، اللذين عانت منهما جهود الماضي". وما يُمكن قوله ختاماً، هو أن المجتمع الدولي معني اليوم بالتأكيد على دعمه لمسيرة السلام الجديدة في الفلبين، وتشجيع كافة المبادرات الهادفة لإنجاحها.