هل تغيّر دور الكاتب والمفكر في الوسط الاجتماعيّ والثقافيّ عمّا كان عليه في عصر ما قبل الانترنت؟ وهل اكتسب الكُتّاب والمفكّرون قيمتهم تاريخيّا لدورهم التنويري في مجتمعهم وأمتهم أم لأن المعلومات كانت صناعة وفكرا وأدوات امتيازاً (احتكاراً) خاصاً لهؤلاء دون غيرهم؟ هذه بعض من أسئلة كثيرة عن قيمة الكاتب والمفكّر ودوره في عصر شبكات المعلومات وانتشار وجماهيريّة المعلومات ووسائط المعرفة. كان الكاتب في الماضي يجتهد في جمع المعلومات وتصنيفها ومن ثم يكافح كثيرا كي يقدمها لقرائه على شكل مقالة أو كتاب أو حتى في حلقة إذاعيّة أو تلفزيونيّة ويقبل عليها الناس إشباعاً لحاجتهم للمعلومات والمعرفة. اليوم يبدو أن كثيراً من الأدوار انقلبت وتحوّلت حيث غدت المعلومات متناثرة متاحة على الشاشات، ولم يعد الكاتب عبر أشكال العرض التقليدي للمعلومات جاذباً رئيساً، وبات "المدوّن" الجريء و"المتوتر" المغرّد "المثير" فاتناً للجماهير أكثر من كاتب الرأي المتكئ على زاويته وأفكاره في وسيلة تقليديّة مليئة بالمحاذير والتوجّس. والإشكاليّة في عالمنا العربي أن الكاتب والمفكر لم يقم بدوره (الواجب) في العصر الحديث كما ينبغي، إذ ظلّت الأميّة والفقر تجثم على صدر المجتمع العربي ردحاً من الزمن في عصور الاستعمار وما قبلها. ولم تكد الدولة العربيّة الوطنيّة تتشكّل حتى بدأت الفتن والنزاعات وتغوّل السلطة فلم ينجح المفكّر والمثقف في تحمّل مسئوليته التاريخيّة بالمساهمة في قيادة مجتمعه. وعوضاً عن ذلك بات بعض المحسوبين على الفكر والثقافة أدوات تبرير وانتفاع وسط ظروف نفسيّة واقتصاديّة ضاغطة. وحين ظهرت الاحصاءات الحديثة كشفت أن قيمة المعرفة من خلال القراءة بقيت في أدنى سلّم الاهتمامات عند الفرد العربي مقارنة بغيره من أعراق الأرض. فبحسب تقرير مؤسّسة الفكر العربي الرابع لعام 2012م تبيّن أنّ متوسّط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً في حين تتناقص معدلات القراءة لدى الفرد العربي إلى 6 دقائق سنوياً. وفي تقارير أخرى نكتشف أن هناك كتاباً واحداً لكل 12 ألف مواطن عربي بينما هناك كتاب لكل 500 فرد إنجليزي وتفيد المقارنات أن معدل قراءة الإنسان العربي لا يتجاوز 4 % ممّا يقرأه المواطن الإنجليزي. وفي حقيقة مؤسفة يكشفها تقرير آخر نجد أن كل 20 مواطناً عربياً يقرؤون كتابًا واحدًا فقط في السنة، في حين يبلغ نصيب المواطن البريطاني الواحد 7 كتب سنويا أي أنّه يقرأ ما يعادل 140 ضعف ما يقرأه المواطن العربي، أما المواطن الأمريكي فيقرأ 11 كتابًا في السنة أي 220 ضعف ما يقرأه المواطن العربي. وهكذا يتبيّن أن المفكّر والكاتب العربي لم يأخذ دوراً حقيقياً في مجتمعه في الماضي وكذلك هو حاله في يومه الحاضر –كما يبدو- بعد أن أصبحت فُرص نشر المعلومة ومعالجتها وتفسيرها مشاعة بين عموم الناس. والسؤال هنا هل فقد الكاتب والمفكر حتى بصيص أمله في استنقاذ دوره؟ وهل هذا يفسّر هرولة بعض الكتّاب والمفكرين لاهثين خلف الجماهير بحثاً عن مكان حين ضاعت المكانة. *مسارات: قال ومضى: (نافلة) الصمت لا تجزي عن (فريضة) الكلام وقت وجوبه.